للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بهادر حتى سلّموه البلد، فدخلها واستولى عليها، وعزّ بها وحسنت أحواله، وتسلطن ولقّب نفسه الملك الكامل، وخطب لنفسه بزبيد وضرب السكّة باسمه فنقش على أحد الوجهين: الملك الكامل، وعلى الآخر: بهادر الصقريّ. ومدّ يده إلى الأموال فصادر الناس وأخذ أموالهم.

فبعث المجاهد يسأل الملك الناصر محمد بن قلاوون النجدة ويعده مواعيد كثيرة. فندب إلى اليمن عسكرا عليه الأمير بيبرس الحاجب في سنة خمس وعشرين. فلمّا بلغ أهل زبيد قرب العسكر منهم، خاف بهادر على نفسه وأظهر أنّه يريد لقاءهم، وفي الباطن إنّما قصد الفرار. فلم يخف ذلك على الناس، وثاروا به، وهم يصيحون:

«مجاهد يا منصور! » وقتلوا جماعة من المماليك.

فنجا بحشاشة على فرس، ونهبت حواصله وأمواله بأجمعها، فاستغنى بها أهل زبيد لكثرتها. وبعثوا إلى مجاهد بتعز أن يحضر لتسلّم المدينة. فعاش بعد أن كاد يتلف وتراجع إليه الناس، ونزل من قلعة تعز وملك زبيد.

فلمّا قدم عليه العسكر كما ذكر في ترجمة الأمير بيبرس الحاجب (١)، كتب بيبرس يستدعي بهادر وبقيّة الأمراء المؤيّديّة. فحضر بعد ما حلف له أنّه لا يؤذيه ولا يمكّن من أذاه. فتلقّاه وأكرمه هو ومن حضر معه من الأمراء. ثمّ رحل به مع المجاهد من زبيد إلى تعز في نصف شهر رجب منها. وبقي في خدمة المجاهد هو وجميع المؤيّديّة. فأخذوا في تخويفه من العسكر وتقوية عزمه على إتلافهم وكبسهم على حين غفلة. فمال إلى قولهم وتواعدوا على إحضار أصحابهم وأتباعهم وعشائرهم، فإذا صعد العسكر جبل صبر لقتال أهله واستقرّ بأعلاه، ركبوا ليلا وصبحوا

الخيم وألقوا فيها النار ونهبوا جميع ما فيها وحصروا العسكر تحت الجبل فلا يفلت منه أحد، وكان هذا من تدبير بهادر. فنقل ذلك بنصّه إلى الأمير بيبرس فكتمه. وأصبح على أنّه يصعد الجبل. فركب الموكب وأخذ يدافع عن الصعود وقتا بعد وقت. واتّفق حضور بهادر بمفرده، فأكرمه بيبرس، وكان قد أظهر له مودّة وأخوّة ووعده بمواعيد كثيرة، وأنّه يحمله إلى مصر ويعرّف السلطان منزلته ويأخذ له إمرة بمصر.

فانخدع له. وكان هذا من بيبرس تطمينا له، فإنّ السلطان قد عهد إليه أن يقتله.

فلمّا أتاه اختلى به، فأخذ يعرّفه أنّ المجاهد قد استفسد ثلاثمائة مملوك من [٢٦٥ ب] العسكر ليقيموا عنده باليمن، وحذّره من وقوع فتنة.

فشكره بيبرس على نصحه وافترقا. فأقام بيبرس وهو في قلق زائد. فأتاه الناصح ليلا وأخبره أنّ بهادر قد عزم على الفرار إلى الجبال. فبادر إلى الركوب بكرة النهار، واجتمع إليه العسكر، وأتاه المجاهد في أمرائه. وتأخّر بهادر في خيمته. فلم يتمالك بيبرس نفسه وبعث إليه بابنه ليحضر، خوفا أن يفوته. وتبع ابنه في جماعة وقبض بهادر وأتى به، وعرف الأمراء ما نقله عن المجاهد. وأوقع الحوطة على موجوده، ووسّطه بالسيف نصفين.

فخرج أهل تعز بنسائهم فرحا بموته وهلاكه، وضربوا الطبول والمزاهر ودعوا للسلطان دعاء كثيرا.

٩٨٤ - تاج الملوك بوري الأيّوبيّ [٥٥٦ - ٥٧٩] (٢)

[٢٦٩ أ] بوري بن أيّوب بن شاذي بن مروان تاج


(١) ستأتي ترجمة بيبرس الحاجب برقم ٩٩٣ ص ٣٠٠.
(٢) النجوم ٦/ ٩٦؛ شذرات ٤/ ٢٦٥؛ وفيات ١/ ٢٩٠ (١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>