للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإسلاميّة. فامتنع من ذلك وقال: إذا أسلم إلينا ما صار في أيدي المسلمين من حصون الروم، سلّم ما في أيديهم من حصون المسلمين. فثقّل اليازوريّ الجيش بجيش آخر وقدّم عليه الأمير السعيد ليث الدولة ففتحت اللاذقيّة. وأجيب ابن سقلاروس بأنّه لا يصحّ أن يسلّم إليه ما صار في أيدي المسلمين من الحصون لأنّهم قد ابتنوا فيها العمارات وأنشئوا البساتين، فلا يصحّ تسليمها إليهم، فإنّه يصير المسلمون [بها أهل] ذمّة (١).

فأجاب بأنّه يدفع إليهم ثمن أملاكهم وينقلهم إلى بلاد المسلمين، ثمّ أجابوا إلى تسليم ما في أيديهم من الحصون الإسلاميّة.

وكانت العادة جارية بأنّه إذا وصلت هديّة الرومأن تقوّم في بيت المال، وتحمل إليهم هديّة قيمتها نحو الثّلثين من هديّتهم ليصير للإسلام مزيّة عليهم بالثلث. فاشترط الوزير على ابن سقلاروس أن تكون قيمة ما يحمل إليهم من الهديّة عوضا عن قيمة هديّتهم النصف من ذلك، فأجابوا إليه.

[انقطاع المفاوضة مع الروم بنكبة اليازوريّ]

فاشترط الوزير أن يؤدّي إليه جزية كلّ من تضمّه دار البلاط، التي هي دار الملك ومحلّ الملك ومكانه. فامتنع من ذلك، فثقّل الجيش بجيش ثالث (٢)، فأوغلوا في بلاد الروم يقتلون ويأسرون وينهبون، فاشتدّت بليّة الروم، وبعث ابن سقلاروس مكاتباته بالإذعان إلى القيام بالجزية عن دار البلاط، وشرع في تجهيزها فبلغت نيّفا وثلاثين ألف دينار، وحمل ذلك إلى أنطاكية.

فبلغه صرف الوزير اليازوريّ، فأعيدت [٣٦٤ أ] إلى

القسطنطينيّة، وزيّنت بلاد الروم لموته وكثر فرحهم بما صرف عنهم من خشونة جانبه.

[دعمه لثورة البساسيريّ ببغداد]

واتّفق أنّه كان بالعراق رجل يعرف بأبي الحارث البساسيريّ (٣) صار اسباسلار كبير القدر يبلغ إقطاعه نحو ثلاثين ألف دينار، فوقع بينه وبين الوزير رئيس الرؤساء أبي القاسم ابن المسلمة وزير القائم بأمر الله العبّاسيّ في سنة سبع وأربعين وأربعمائة وعانده إلى أن أخرجه من بغداد، فقصد ديار بكر، وكاتب المستنصر، وهو بأعمال حلب يرغب في الخدمة ويعرض نفسه ويستأذن في الوصول إلى الحضرة، وأنّه في ثلاثمائة غلام، فأخذ الوزير الكتاب وقبله أحسن قبول، واستشار أهل الدولة في الإذن له، وكلّهم أشار بذلك وأنّ في قدومه ما يوجب مجيء غيره طمعا فيما ناله من الكرامة، وفيه زيادة في عدد رجال الدولة. فلم يوافق على مجيئه وقال: هذا الرجل قد كان إقطاعه بالعراق ما يزيد على ثلاثين ألف دينار، ومعه أولاد مولاه الملك أبي طاهر ابن كاليجار وغيرهم من أولاد الملوك، وأجلّهم إقطاعه ألف ومائتا دينار، فإن اقتصر به على مثل ما لهم من الواجب لم يرض، وإن زيد عليه كان قبيحا. وأيضا فإنّا لا نطيق من عندنا اليوم من الأتراك، فكيف إذا انضاف إليهم مثل هذه العدّة؟ والصواب أن يبقى بحيث هو، ونحسن إليه ونقيمه لمناصبة أعداء الدولة. فإن نهض بذلك كان النفع للدولة والاسم لها، وإن قصر عنه كان ذلك برأسه.


(١) في المخطوط: لهم ذمّة.
(٢) سيقول المقريزي، ص ٢٣٩: وعليه الأمير حفّاظ بن فاتك موفّق الدولة.
(٣) في تاريخ بغداد ٩/ ٧٩٩ اسمه: أرسلان التركيّ. وفي خصوص البساسيري انظر: دائرة المعارف الإسلاميّة ١/ ١١٠٥، والكامل سنوات ٤٤٥ - ٤٥١ والإشارة، ٦٩ وابن القلانسيّ ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>