للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: فإنّي أتوب إلى الله عزّ وجلّ على يديك.

قال: وأيّ توبة تقبل منك، وقد خرجت عن مذهبك؟

قال: بماذا؟

قال: بالفرار من الزحف، وهو من الكبائر عندنا أولياء الله، وعندكم، أعداء الله، كفر وشرك، هذا وأنت الضامن لأصحابك أنك لا تنهزم أبدا.

قال: ومتى انهزمت؟

قال: من سوسة، ثمّ من القيروان، ثمّ من تماديت (١)، ثمّ من باغاية.

قال: بل أردت دخول المغرب فرحلت من القيروان.

قال: بل أخرجك منها ابن رسول الله بسيف جدّه صاغرا مهزوما ذليلا خازيا طريدا.

فسكت. فقال له المنصور: ثمّ استعملت الكذب.

قال: ومتى كذبت؟

قال: في كتابك إلى الأمويّ الشقيّ تزعم فيه أنّك حصرتني وقتلت رجالي وأخذت فازتي.

قال: ما كتبت هذا.

قال: يا غلام، أحضر كتبه التي أخذناها مع رسوله!

قال: العفو!

قال: ومن العجب أنّك تعدّ نفسك من الدهاة وتراها أهلا لتدبير الحروب وسياسة الأمور، وامرأة من سفلة الناس كانت أعقل منك.

قال: ومن هي؟

قال: امرأتك التي حذّرتك سوء العاقبة وأشارت عليك (٢) بالاعتراف بذنبك، والتوبة إلى الله عزّ وجلّ ربّك، فلو أطعتها لأصبت رشدك.

قال: لقد قالت ذلك.

قال: أتدري لم بلغت ما بلغت، على خساستك وجهلك وسوء حالك؟

قال: بالقيام لله.

قال: معاذ الله! من قام لله نصره الله. ولن يقوم لله إلّا أولياء الله (٣).

قال: فبماذا؟

قال: بهوانك على أمير المؤمنين، واحتقاره إيّاك، واستصغاره لشأنك. ولقد كان يقول: لو أخذ عدوّ الله بحلقتي هذا الباب ما خرجت إليه، ليبلو الله المؤمنين ويمحق الكافرين. والذي نفسي بيده، لينجزنّ الله لنا وعده ولو كره المشركون!

فسكت. فقال له: عندنا أن نحسن إليك ونتفضّل عليك، ولن ينالك من عقوبتنا أكثر من سجنك في دار واسعة ورزق دارّ لتعلم أنّي ابن رسول الله وأنّ الله فضّل أخلاقنا كما طهّر أعراقنا.

فو الله ما لي في قتلك درك ثأر ولا شفاء غيظ.

أخزى الله دولة لا يحييها إلّا موتك!

ثمّ أمر بحمله فحمل وهو يقول: جزاك الله خيرا! فقد فعلت ما يشبهك.

[وفاة الثّائر البربريّ والتّمثيل بجثّته]:

وأقام إلى ليلة الخميس آخر المحرّم فمات من الجراح التي أصابته. ولمّا أصبح أمر بإدخاله القفص الذي كان أعدّه له، وجعل معه قردين يلعبان عليه، وأخرجه إلى الخندق تحت قلعة


(١) في المخطوط: تامديت.
(٢) في المخطوط: إليك.
(٣) في المخطوط: الأولياء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>