ثمّ خرج إلى دمشق مع العسكر قاصدا الغزاة، وتوجّه إلى القدس وسار إلى عجلون وزرعة، فدخل دمشق في أوّل ذي القعدة- وقد غاب عنها أكثر من سبع سنين- ومعه أخواه وجماعة من أصحابه. فخرج إليه خلق كثير، وسرّوا به سرورا كبيرا.
وفي يوم الأربعاء العشرين من شوّال سنة ستّ عشرة وسبعمائة، توفّيت والدته ستّ النعم بنت عبد الرحمن بن عليّ بن عبدوس الحرّانيّة بدمشق، ودفنت بمقابر الصوفيّة. وكان مولدها في سنة خمس وعشرين [٩٩ أ] وستّمائة تقريبا.
وولدت تسعة أولاد من الذكور، ولم ترزق بنتا.
[تجدّد النكير عليه بسبب فتياه في الطلاق، ومنعه زيارة القبور]:
وفي يوم الخميس منتصف شهر ربيع الآخر سنة ثماني عشرة وسبعمائة اجتمع قاضي القضاة شمس الدين الحنبليّ بالشيخ تقيّ الدين، وأشار عليه بترك الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، فقبل إشارته.
فلمّا كان مستهلّ جمادى الأولى منها، ورد البريد من مصر، ومعه مرسوم السلطان بمنعه من ذلك، وفيه: «من أفتى بذلك نكّل به». ونودي بذلك في البلد.
فلمّا كان يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر رمضان سنة تسع عشرة وسبعمائة، جمع الفقهاء والقضاة عند الأمير تنكز نائب الشام، وقرئ عليهم كتاب السلطان، وفيه فصل يتعلّق بالشيخ تقيّ الدين بسبب فتياه في مسألة الطلاق. فعوتب على فتياه بعد المنع، وانفضّ المجلس على توكيد المنع.
ثمّ عقد له مجلس في يوم الخميس ثاني عشرين شهر رجب سنة عشرين وسبعمائة بدار السعادة من دمشق، وعاودوه في فتيا الطلاق وحاققوه عليها وعاتبوه بسببها. ثمّ إنّهم حبسوه بقلعة دمشق فأقام بها إلى يوم الاثنين يوم عاشوراء سنة إحدى وعشرين. فأخرج بعد العصر بمرسوم السلطان وتوجّه إلى منزله، فكانت مدّة سجنه بالقلعة خمسة أشهر وثمانية عشر يوما.
وفي يوم الاثنين بعد العصر، السادس من شعبان سنة ستّ وعشرين، اعتقل بقلعة دمشق بعد ما حضر إليه الأمير بدر الدين أمير مسعود ابنالخطير، الحاجب، بمرسوم السلطان بذلك، ومعه مركوب. فأظهر السرور وقال: أنا كنت منتظرا لذلك، وهذا فيه خير كثير! - وركب وهو معه إلى القلعة فأخليت له دار، وأجرى له فيها الماء، وأقام معه أخوه زين الدين [عبد الرحمن] يخدمه بإذن السلطان، ورسم له بما يقوم بكفايته.
وكان سبب هذه الكائنة فتوى وجدت بخطّه في المنع من السفر وإعمال المطيّ إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وفتوى في أنّ الطلاق الثلاث بكلمة يردّ إلى واحدة.
[[اضطهاد أصحابه وسحب كتبه منه]]
وفي يوم الأربعاء منتصف شعبان، أمر قاضي القضاة جلال الدين القزوينيّ بحبس جماعة من أصحابه بسجن الحكم. وكان ذلك بإشارة تنكز نائب الشام. وعزّر جماعة على دوابّ ونودي عليهم، ثمّ أطلقوا إلّا شمس الدين [محمد بن أبي بكر] ابن قيّم الجوزيّة، فإنّه حبس بالقلعة.
وفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، أخرج ما كان قد اجتمع عند ابن تيميّة بالمكان الذي هو فيه معتقل بقلعة دمشق من الكتب والكراريس والأوراق، ومن دواة وأقلام، ومنع من الكتابة وقراءة الكتب وتصنيف شيء من العلوم البتّة. وحملت في مستهلّ شهر