للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلم يزل معتقلا إلى نصف شعبان سنة اثنتين وسبعين، فأفرج عنه ولزم بيته يدرّس ويفتي ويروي الحديث. وهو أوّل من درّس درس الحنابلة بالمدرسة الصالحيّة.

وكانت وفاته بالقاهرة يوم السبت الثاني والعشرين من المحرّم سنة ستّ وسبعين وستّمائة.

ودفن من الغد بالقرافة الصغرى. قال الحافظ عبد الكريم (١): وهو من بيت العلم والزهادة عارف بالمذهب، وكان كريم النفس حسن الصورة والأخلاق كثير الصمت جليل القدر.

وقال جامع مناقبه وأخباره (٢): كان أكرم أهل زمانه وأحسنهم أخلاقا وأبهاهم صورة، صاحب أحوال وأقوال ومكاشفات، ومن عظماء مشايخ مصر وأجلّاء العارفين، صاحب كرامات وسرائر وإشارات. قال يوما في درسه: والله ما يقدر أحد على وجه الأرض يقطعني في مسألة.

وقال مرّة: أنا أعلم أصحاب أحمد- يعني: في وقته.

وقال مرّة: أقدر أضع مائة مريد في مائة بيت، وأربّي كلّ واحد منهم بلون غير ما أربّي به الآخر.

واجتمع في رحلته إلى العراق بأكابر من أهل طريق الله. وكان متواضعا. قال بعض أصحابه:

لازمته مدّة سنين فما رأيته ليلة قال لأحد من أصحابه: أصلح السراج! - وإنّما كان يقوم [٥٢ أ] بنفسه ويصلحه. وتلوّث حصير بيته بطين، فقام وغسله ومنع غيره أن يغسله معه. وأقام بديار مصر ما ينيف على ثلاثين سنة ما مكّن أحدا أن يقبّل يده. وما راح إلى خانقاه سعيد السعداء وهو قاضي القضاة راكبا قطّ. ونزل مرّة من دار العدل بقلعة

الجبل فلم يجد بغلته فركب حمارا وأردف بعض طلبته وشقّ القاهرة. وما أكل وحده أبدا بل يجمع طلبته ويتعشّى معهم بما تيسّر. وسقط المطر مرّة وعنده جماعة كثيرة، فقام وشدّ وسطه وشمّر أكمامه ورفع مداسات الجماعة من المطر، ثمّ جلس.

وبعث إليه الأمير جمال الدين آي دغدي العزيزيّ مبلغ خمسمائة دينار مصريّة، ففرّقها كلّها على الفقهاء والفقراء حتّى لم يبق منها شيء، وقال:

كنت أودّ لو أصرفت منها خفائف (٣) فرّقتها على أولادي الصغار. ولكنّ هذا أحبّ إليّ، ولم يتلوّث (٤) منها بشيء.

وكان يقوم بنفسه في خدمة الفقهاء والفقراء وقت غدائهم وعشائهم.

وذكر [له] عدّة مناقب لا يقبل أكثرها كلّ أحد.

وكان الصاحب بهاء الدين ابن حنّا يغري به الملك الظاهر.

والجمّاعيليّ: نسبة إلى جمّاعيل بضمّ الجيم وتشديد الميم ثمّ ألف وعين مهملة بعدها ياء آخر الحروف ثمّ لام: قرية من قرى نابلس ولد بها أبوه.

١٦٥١ - أبو عبد الله القيجاطيّ [- ٦٤٣] (٥)

[٥٠ أ] محمد بن إبراهيم بن عبد الملك، أبو عبد الله، الأزديّ، القارحيّ، الأندلسيّ، المقرئ، من أهل قيجاطة (٦).


(١) القطب الحلبيّ (ت ٧٣٦) عبد الكريم بن عبد النور، أبو عليّ الحافظ: الزركلي ٤/ ١٧٧.
(٢) لا نعرفه.
(٣) لم نعرف الخفائف ولعلّها الأحذية (جمع خف غير قياسيّ).
(٤) هكذا في المخطوط، ولعلّها تعني: لم يدنس يده بشيء منها.
(٥) غاية النهاية ٢/ ٤٥ (٢٦٧٥).
(٦) قيجاطة من أعمال جيّان (نفح ٤/ ١٥ هامش ١). وهذه الترجمة سبقت برقم ١٦٤٩ ص ٦٢ بعنوان ابن القرشيّة البجانيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>