للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأراد ابن حديد أن يجمع له من في البلد ليجرّ الحبال فأبى أبو الصلت وقال: «جمع قليل يكفي». وخرج ابن حديد والناس عند ما فرغ أبو الصلت من عمله ليروا جرّ المركب. فانتخب أبو الصلت مائة وخمسين رجلا لجرّ المركب بعد ما أحكم الحبال فيها وهي غارقة في البحر. فلم يزالوا في جرّها إلى أن ظهرت. فتكاثر الرجال في الجرّ فانقطعت الحبال وردّت في وجوه الناس وصدورهم فأتلفت عدّة منهم. وشقّ على ابن حديد تلف (١) الحبال. فغضب أبو الصلت منه لإعراضه عن استحسان ما فعله. وصوّت استهزاء به في الملإ العظيم من الناس. فطالع ابن حديد الأفضل بذلك وأغراه بأبي الصلت وأنّه أتلف المال وأنّه أثّر في الرجال آثارا قبيحة، ولم يف بالشرط بإخراج المركب. فأعيد الجواب بحمله فحمل إلى القاهرة وسجن بالمعونة (٢)، وفيه ألّف كتاب الحديقة ورسالة الأسطرلاب.

ولمّا فرّ لحق بيحيى بن المعزّ بن باديس الصنهاجيّ صاحب المهديّة وأقام بها حتى مات يوم الاثنين مستهلّ المحرّم سنة تسع وعشرين وخمسمائة.

وكان كما قال في حقّه العماد الأصفهانيّ أوحد زمانه وأفضل أقرانه، متبحّرا في العلوم، وأفضل فضائله إنشاء المنثور والمنظوم. وكان له القدرة على علم الأوائل، وله الباع الأطول في المنطق والأصول. وله مصنّفات، منها: [٢٢٣ ب] الحديقة، على أسلوب [٢٢٧ ب] يتيمة الدهر للثعالبيّ، والرسالة المصريّة، تجري مجراها، وله: تقويم الذهن في المنطق، وغير ذلك. وله

ديوان شعر فائق.

٨٤٣ - أمير كاتب [٦٨٥ - ٧٥٨] (٣)

أمير كاتب، ابن أمير عمر، العميد، ابن العميد أمير غازي، الشيخ قوام الدين، أبو حنيفة، الفارابي، الأتقاني، الحنفي.

ولد بأتقان ليلة السبت تاسع عشر شوّال سنة خمس وثمانين وستّمائة. وقدم دمشق في عاشر رجب سنة سبع وأربعين وسبعمائة، واجتمع بنائبها الأمير سيف الدين يلبغا اليحياوي، واختصّ به.

وذكر له مسألة رفع اليدين في الصلاة وادّعى بطلان الصلاة بالرفع. فقام عليه قاضي القضاة تقيّ الدين السبكيّ ووهّى قوله.

ثم إنّه طلب إلى القاهرة فقدمها ثاني ربيع الأوّل سنة إحدى وخمسين فراح على الأمير صرغتمش فعظّمه، وولّاه تدريس مدرسته لمّا بناها بالصليبة خارج القاهرة (٤).

وكان قد قام في أيّام الملك الصالح صالح (٥) على الشافعيّة، وسعى في إبطال المذهب جملة حتى كاد يتمّ ذلك، لولا [أن] تدارك الله بلطفه وخيّب سعيه.

ومات يوم السبت حادي عشرين شوّال سنة ثمان وخمسين وسبعمائة بالقاهرة.

وكان قيّما بمذهبه- كتب شرحا كبيرا على


(١) في المخطوط: تلاف. وهو مصدر غير مسموع.
(٢) المعونة: سجن الشحنة أو المحتسب. انظر دائرة المعارف الإسلامية ٦/ ٨٨٩ ب.
(٣) المنهل ٣/ ١٠١ (٥٥٤)؛ الدرر ١/ ٤٤٢ (١٠٧٨)؛ النجوم ١٠/ ٣٢٥؛ السلوك ٣/ ٣٧، ابن قاضي شهبة ٢/ ١٢٣، البداية والنهاية ١٤/ ٩٩: القازاني عوض الفارابي.
(٤) المدرسة الصرغتمشيّة: الخطط ٢/ ٤٠٣ (مجاورة لجامع ابن طولون).
(٥) تسلطن الملك الصالح صلاح الدين صالح ابن الناصر في جمادى الثانية سنة ٧٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>