ودخلوا على الأمين وكسروا قيده وأقعدوه بمجلس الخلافة، وقتل الحسين بعد حرب. واختفى الفضل بن الربيع، وكان طاهر قد استولى على الأهواز وأعمالها وبثّ عمّاله في اليمامة والبحرين وعمّان. ثم سار من الأهواز إلى واسط فاستولى عليها. ووجّه بعض قوّاده إلى الكوفة وبها العبّاس بن موسى الهادي، فقام وخلع الأمين وبايع للمأمون وكتب بذلك إلى طاهر. وأتته أيضا بيعة أهل البصرة للمأمون ثم بيعة أهل الموصل، كلّ ذلك في رجب [سنة ١٩٦]. فأقرّ العمّال على حالهم وأقام بجرجرايا. فبعث الأمين بعوثا فانهزمت، وسار طاهر فنزل المدائن بغير قتال، وانهزم جند الأمين منها إلى بغداد. واستولى على تلك النواحي، ثم توجّه إلى صرصر ونزلها.
وخلع داود بن عيسى بن موسى الأمين بمكّة والمدينة وبايع للمأمون في شهر رجب أيضا، وسار إلى المأمون بمرو فأخبره بذلك فسرّ سرورا كثيرا وأعطاه خمسمائة ألف درهم معونة، وسيّر معه ابن أخيه العبّاس بن موسى بن عيسى وجعله على الموسم. فسارا حتّى أتيا طاهرا فأكرمهما ووجّه معهما عاملا على اليمن ومعه خيل كثيفة، فخلعوا باليمن الأمين ودعوا للمأمون بعد ما بايعوا له.
وكان الأمين قد عقد في رجب وشعبان نحوا من أربعمائة لواء لقوّاد شتّى، وأمّر عليهم علي بن محمد بن عيسى بن نهيك، وبعثهم إلى هرثمة بن أعين، فلقيهم بنواحي النهروان وهزمهم في شهر رمضان، وأسر علي بن محمد وحمله إلى المأمون، ونزل النهروان.
هذا وطاهر بصرصر لا يأتيه جيش إلّا هزمه، والأمين ببغداد يبذل الأموال. فسار إليه من أصحاب طاهر نحو خمسة آلاف فسرّ بهم وفرّق المقفى ج ٤* م ٦
فيهم مالا عظيما ووعدهم وغلّف لحاهم بالغالية فسمّوا «قوّاد الغالية». وبثّ سراياه وجواسيسه في أصحاب طاهر ودسّ إلى رؤساء الجند فأطمعهم ورغبهم حتى شغبوا على طاهر واستأمن كثير منهم إلى الأمين وصاروا في عسكره وساروا إلى صرصر. فعبّأ طاهر أصحابه كراديس وسار فيهم يعدهم ويحرّضهم، ثمّ تقدّم فاقتتلوا صدرا من النهار، فانهزم أصحاب الأمين، وغنم أصحاب طاهر ما كان معهم. فأخرج الأمين الأموال وجمع أهل الأرباض وقوّد منهم جماعة [١٢١ أ] وفرّق فيهم الأموال وأعطى كلّ قائد منهم قارورة غالية، ولم يفرّق في أجناد القوّاد وأصحابهم شيئا. فبلغ ذلك طاهرا فكتب إليهم ووعدهم وأغرى أصاغرهم بأكابرهم فشغبوا على الأمين في ذي الحجّة حتى صعب الأمر عليه وأمر بقتالهم فاقتتلوا. وأخذ طاهر يراسلهم ويراسلو [ن] هـ إلى أن أخذ رهائنهم على بذل الطاعة، وأعطاهم الأموال.
[[حصار بغداد]]
ثم تقدّم فنزل على بغداد، ومعه من استأمن إليه من أصحاب الأمين، وأخذ الأرباض، وأضعف للقوّاد وأبنائهم والخواصّ العطاء، ففتن الناس وثقب أهل السجون السجون وخرجوا منها، ووثب الشطّار على أهل الصلاح فساءت حال أهل بغداد ولم تتغيّر حال أحد بعسكر طاهر لتفقّده الأمور وأخذه على أيدي السفهاء، وهو مع ذلك يغادي القتال ويراوح حتى خربت الديار.
ودخلت سنة سبع وتسعين [ومائة] وطاهر يحاصر بغداد، ومعه هرثمة بن أعين وزهير بن المسيّب الضبّي وعبيد الله بن وضّاح، وقد نصبت المجانيق والعرّادات، وحفرت الخنادق، والأمين يفرّق الأموال حتى نفد ما كان بيده وباع ما كان في