للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبلغ متحصّله من الغلال ما ينيف على مائتي ألف إردبّ، سوى التقاوى (١). وكان له في الغلاء أفعال فاضلة، من إطعام الفقراء والأيتام وأرباب البيوت الخبز والطعام.

وأوصى أن يخرج طلبه على عادته، وخيوله ملبسة وسناجقه منشورة، وعلى مماليكه آلات الحرب مثل هيئة أيّام توجّهه إلى الغزاة في سبيل الله، ففعلوا ذلك من غير دقّ الطبول. وشهد نائب السلطان الأمير حسام الدين لاجين جنازته وجميع الأمراء والقضاة والمشايخ والفقراء، وطلبه معهم على الحالة التي يخرج فيها إلى الغزو. فكثر خشوع الناس واتّعاظهم به. وغلّقت مدينة مصر يومئذ.

وكانت فيه خبرة وشجاعة ومعرفة بالأمور، منها أنّ المنصور قلاوون لمّا أفرج عنه عند ما تسلطن وولّاه نيابة السلطنة باشرها قليلا بعداستعفائه فلم يعفه، ثم تمارض وانقطع عن الخدمة في بيته فسأله ابنه أسد الدين [ ... ] عن فعله فقال: لي فيه أرب.

فلمّا عزم السلطان [٢٤٤ ب] على عيادته صنع له الطبيب شيئا تهيّج به وجهه واصفرّ لونه. ودخل عليه السلطان فتوجّع له وقال له: تخبرني بحوائجك وما في نفسك حتى أقضيه لك- ظنّا منه أنه مريض وربّما مات من مرضه- ثم قال: قد مرضت في وقت حاجتي لرأيك في أمر مماليكي ومن أعطيه منهم الإمرة.

فقال: يا خوند، مماليكك نافعة، وقد ربّيتهم وكلّ منهم يستحقّ الإمرة فلا تؤخّر أمرهم. وأمّا حاجتي التي في نفسي، فإنّي قد كبرت واعتراني هذا المرض، وضعف بصري من الحبس، ولا

أصلح للحكم بين الناس ولا يحلّ لي، وأريد أنّ السلطان يعفيني من النيابة.

فانزعج السلطان من كلامه وامتنع من إعفائه.

فألحّ في تقبيل الأرض وطلب الإعفاء. فقال له:

إن كان ولا بدّ، فأشر عليّ بمن يصلح.

فقال: إن قبل السلطان منّي، فلا يول إلّا مملوكه طرنطاي.

فوافق ذلك غرض السلطان وقام عنه. فدبّر نفسه حتى زال عنه ما به. وقال لولده بعد ذلك:

أنت صبيّ، هذا قد تسلطن وله مماليك يريد أن ينشئهم ويكبّرهم، فإنّه يثق بهم ويعجبه تقديمهم، ويفرح بهم. وأنا فما يمكنه عزلي عن النيابة بغير ذنب، فيحتاج أن يعمل لي ذنبا، ويقبض عليّ ويولي النيابة لمملوكه، ويبقى خلاصي ممتنعا وقد شبعت حبسا، فعملت ما عملت، وأنت شابّ لا يصل فكرك إلى هذا.

وما زال منقطعا حتى ولي طرنطاي النيابة، وأنعم السلطان على مماليكه بالإمرتات (٢). ثم ركب إلى القلعة فعمله السلطان أمير جاندار.

٨٦٤ - أيبك الأشقر [- ٧٠٧] (٣)

[٢٤٥ أ] أيبك الأشقر، الأمير عزّ الدين الشجاعيّ، شادّ الدواوين.

كان من مماليك الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ. وترقّى بعده ووليّ شدّ الدواوين عوضا عن [ ... ].

وتوفّي هو وابنه وامرأته وتتمّة أحد عشر شخصا


(١) التقاوى ج تقوية، وهي الحبوب المدّخرة للبذر.
(٢) الإمرتات: هكذا في المخطوط ولعلّه جمع إمرة في صيغة عامّيّة.
(٣) الدرر ١/ ٤٥٠ (١١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>