للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووقف في الميمنة من الأمراء الحسام لاجين أستادار، ومبارز الدين سوار أمير شكار، ويعقوبا الشهرزوري، ومبارز الدين أوليا بن قرمان.

ووقف في الجناح الأيمن الأمير قبجق بعساكر حماة والعربان. ووقف في الميسرة الأمير بدر الدين بكتاش الفخريّ أمير سلاح، وقراسنقر نائب حلب بعساكرها، وبتخاص نائب صفد بعساكرها، وطغريل الإيغاني، وبكتمر السلاح دار، وبيبرس الدوادار بمضافيهم.

[[وقعة شقحب]]

فلمّا تهيّأت العساكر وكملت تعبئتها مشى السلطان والخليفة معا، ومعهما القرّاء يتلون من القرآن الكريم ما يحثّ عزائم القوم على الثبات ويحرّضهم على الصدق في اللقاء ويشوّقهم إلى الجنّة، وفي كلّ قبيل يقف السلطان والخليفة، ويقول الخليفة: يا مجاهدون، لا تنظروا لسلطانكم، قاتلوا عن حريمكم وعن وليّ نبيّكم صلّى الله عليه وسلم، فتذرف عند ذلك العيون بالدموع ويكثر النحيب حتى إنّ فيهم من يسقط عن فرسه لشدّة ما ينزل به من الخشوع. فتواعدوا جميعا على صدق اللقاء وتعاهدوا على الثبات إلى الممات.

فلمّا تمّ ذلك عاد السلطان إلى موقفه، ووقف الغلمان والأثقال صفّا واحدا من وراء العسكر، ونودي فيهم: من خرج من العسكر عن المصافّ فاقتلوه، ولكم فرسه وسلاحه! - فلمّا تمّ هذا، زحفت كراديس التتار كقطع الليل، وذلك بعد الظهر [٩٢ أ] وأقبل قطلوشاه بمن معه من التوامين (١) وحمل بهم على الميمنة فثبتت له

وقاتلته قتالا شديدا، قتل فيه الحسام لاجين استادار، وأوليا بن قرمان، وسنقر الكافريّ.

وأيدمر الشمسيّ القشّاش، وآقوش الشمسيّ الحاجب، والحسام عليّ بن باخل، ونحو الألف فارس. فأدركهم الأمراء الذين في القلب وفي الميسرة، وصرخ الأمير سلّار: هلك والله أهل الإسلام! - وصرخ بيبرس في البرجيّة فأتوه، وصدم بهم قطلوشاه، وأبلى يومئذ بلاء عظيما هو وسلّار حتّى كشفوا التتار عن المسلمين، فكان جوبان وقرمجي من طوامين التتار قد أدركا بولاي، ومرّوا خلف المسلمين يقاتلونهم. فلمّا رأوا قطلوشاه وقد انكسر، أتوه فوقفوا في وجه بيبرس وسلّار. فخرج إليهم الأمير أسندمر، وقطلوبك، وقبجق في المماليك السلطانيّة مددا لبيبرس وسلّار، فقويا على قطلوشاه وهزماه.

فمال التتر على الأمير برلغي ومزّقوه. واستمرّت الحرب بين بيبرس وسلّار وبين قطلوشاه، وكلّ من الفريقين ثابت. هذا وقد انهزم من كان مع الأمراء المقتولين وركب التتار أقفيتهم يتبعونهم، فظنّ الناس أنّها كسرة، وأقبل السواد الأعظم على الخزائن السلطانيّة فكسروها ونهبوا ما فيها من الأموال، وجفل النساء والأطفال الذين خرجوا من دمشق، وحسر النساء عن وجوههنّ وأسبلن شعورهنّ، وضجّ ذلك الجمع بالدعاء والتضرّع، وقد كادت العقول أن تذهب لمشاهدة الهزيمة.

فلم ير منظر أعظم هولا من تلك الحالة، إلى أن كفّ كلّ من المسلمين والتتار عن القتال، ومال قطلوشاه بمن معه إلى جبل بالقرب منه يقال له مانع خلاطه (٢) وصعد عليه، وفي نفسه أنّه انتصر وأنّ بولاي في أثر المنهزمين يطلبهم. فعند ما علا الجبل رأى السهل والوعر كلّه عساكر، ورأى


(١) التوامين أو الطوامين: قال ناشر السلوك ١/ ٩٣٣: هي جمع تومان وطومان، وهي القطعة من الجيش ذات عشرة آلاف، ولم يذكرها دوزي.
(٢) أو رافع خلاطه، ولم نجدهما ولم يذكرهما في السلوك.

<<  <  ج: ص:  >  >>