للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فنزل أبو محمود أذرعات. وسار ظالم بن مرهوب من بعلبك بمكاتبة المعزّ له إلى دمشق. فلمّا نزل عقبة دمر خرج أبو المنجّى إلى الميدان ليقاتله، وهو في ألفي رجل. فبعث إليه ظالم يخادعه ويقول: «إنّما جئت مستأمنا إليكم». فسار عدّة من جند أبي المنجّى إلى ظالم فقوي بهم، وأقبل إلى أبي المنجّى وأحاط به فلم يمكنه الهرب. فأخذه وابنه، وصار عسكره كلّه مع ظالم، فملك دمشق يوم السبت لعشر خلون من شهر رمضان، وقبض على جماعة من أصحاب أبي المنجّى وأخذ أموالهم. وطلب أبا بكر محمد بن أحمد بن سهل النابلسيّ (١) حتى ظفر به.

ونزل أبو محمود على دمشق يوم الثلاثاء لثمان بقين منه فأنس به ظالم وأكرمه وخرج إليه وأسلمه أبا المنجّى وابنه وابن النابلسيّ، فعملهم أبو محمود في أقفاص من خشب وجهّزهم إلى القاهرة.

وامتدّت أيدي أصحاب أبي محمود يأخذون من يلقونه في الطريق وينهبون القرى ويأخذون القوافل، ولا يقدر أبو محمود على ردّهم.

وصار ظالم في المدينة يأخذ أموال السلطان ولا يدفع لأبي محمود شيئا ويرى أنّه صاحب البلد. هذا، وقد كثر في البلد حمّال السّلاح من الغوغاء، وقتلوا أصحاب المشايخ، فامتنع الناس من الذهاب والمجيء، وفرّ أهل القرى إلى المدينة وخلت ظواهر دمشق.

فلمّا كان يوم الخميس النصف من شوّال نزل أصحاب أبي محمود لنهب القصّارين عند الميدان، فوقع الصارخ في المدينة وخرج الناس بالسلاح، وفيهم أصحاب ظالم فاقتتلوا ثمّ

افترقوا. وكثر بعد ذلك حمل السلاح في البلد.

[[انتقاض أهل دمشق عليه]]

وقدمت قافلة من حوران على طريق الحرجلّة (٢) فأخذها أصحاب أبي محمود وقتلوا ثلاثة ممّن كان فيها، فحملهم أصحابهم وطرحوهم بالجامع داخل المدينة، فاجتمع عليهم الناس وغلّقت الحوانيت وخلت الأسواق.

واجتمع العالم وضرب أصحاب أبي محمود قرية حجيرا (٣) فدخل أهلها الجامع وهم يصيحون.

واستمرّ الخوف إلى يوم الاثنين سابع عشر ذي القعدة فوقع الصوت في البلد: النفير! فلبس الناس السلاح وخرج أصحاب ظالم معهم، فقاتلوا أصحاب أبي محمود يومهم إلى الليل، ثمّ أصبحوا يوم الثلاثاء فاقتتلوا إلى الليل، وأصبحوا يوم الأربعاء فاقتتلوا إلى العصر، ووقع الحريق فانهزم أهل البلد وقتل منهم كثير. فخرج ظالم من دار الإمارة، ولم يكن خرج في هذه الحروب، وإنّما يبعث أصحابه ويظهر أنّه إنّما يريد الدفع عن البلد ولا يحبّ القتال ولا الخلاف، وهو مداهن في ذلك. فلمّا رأى أهل دمشق منهزمين والمغاربة خلفهم، وقد ازدحم أصحابه في الجسر (٤) حمل، ومعه طائفة، على أوائل المغاربة حتى ردعهم عن الرعيّة. ثمّ تكاثر المغاربة عليه فعبر الجسر، وأخذ المنهزمون نحو البيوت فأدركهم المغاربة وقتلوا منهم كثيرا. فضجّ الناس بالنفير من المآذن والأسطحة، وكثر الرمي بالنشّاب من الأسطحة، فأحرق المغاربة الفراديس (٥)، وكان بناء حسنا


(١) خصّص المقريزي ترجمة لهذا الزاهد في المقفى، انظر رقم ١٧٢٧.
(٢) الحرجلّة: من قرى دمشق (ياقوت).
(٣) حجير في المخطوط. وقال ياقوت: حجيرا قرية في غوطة دمشق.
(٤) عند ابن الفلانسي ٦: الجسر المعقود على بردى.
(٥) الفراديس أجنّة ملاصقة لباب الفراديس من دمشق «وهو أحسن مكان بظاهر دمشق» حسب قول ابن القلانسي ٦، -

<<  <  ج: ص:  >  >>