للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن عدلان على المظفّر بأن يجدّد الخليفة له البيعة، وتقرأ على المنابر وعلى الأمراء ويجدّدوا أيمانهم بالوفاء، فإنّ ذلك أثبت للمملكة. فأعجبه ذلك، وكتب عن الخليفة بعد البسملة: من عبد الله وخليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المسلمين، سليمان بن أحمد العبّاسيّ، لأمراء المسلمين وجيوشها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: ٥٩]. وإنّي رضيت لكم بعبد الله تعالى الملك المظفّر ركن الدين نائبا عنّي على الديار المصريّة والبلاد الشاميّة وأقمته مقام نفسي لدينه وكفايته وأهليّته، ورضيته للمؤمنين، وعزلت من كان قبله بعد علمي بنزوله عن الملك، ورأيت ذلك متعيّنا عليّ، وحكمت بذلك الحكّام الأربع [ة]. واعلموا رحمكم الله أنّ الملك عقيم (١) ليس بالوراثة لأحد، سالف عن سالف، ولا كابر عن كابر. وإنّي استخرت الله تعالى وولّيت عليكم الملك المظفر، فمن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى ابن عمّي أبا القاسم صلّى الله عليه وسلم. وبلغني أنّ الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور شقّ العصا على المسلمين وفرّق كلمتهم وشتّت شملهم وأطمع عدوّهم فيهم وعرّض البلاد الشاميّة والمصريّة إلى سبي الحريم والأولاد وسفك الدماء، وتلك دماء [٢٧٤ أ] قد صانها الله من ذلك.

وأنا خارج إليه ومحاربه إن استمرّ على ذلك، ودافع عن حريم المسلمين وأنفسهم وأموالهم هذا الأمر العظيم، وأقاتله حتّى يفيء إلى أمر الله. وقد أوجبت عليكم يا معاشر المسلمين كافّة الخروج تحت لوائي اللواء الشريف. فقد أجمعت حكّام

المسلمين على وجوب دفعه وقتاله إن استمرّ على ذلك حتى يفيء إلى أمر الله، وأنا مستصحب معي لذلك السلطان الملك المظفّر، فجهّزوا أرواحكم، والسلام، والحمد لله وحده.

وقرئ على منابر الجوامع وقت الخطبة في يوم الجمعة. فلمّا وصل الخطيب بالجامع الأزهر إلى ذكر الملك الناصر صاحت العامّة: نصره الله! - وكرّرت ذلك. فلمّا وصل إلى ذكر [٣١٧ أ] الملك المظفّر صاحوا: لا! لا! ما نريده! - وارتجّت القاهرة وضجّ أهلها بسبب هذا طول يومهم.

[[انضمام الشام إلى الملك الناصر]]

فقدم البريد من دمشق بكتاب الأفرم يتضمّن أنّ أمراء الشام كلّهم وسائر النوّاب قد مالوا مع الملك الناصر، ويشير عليه أن يخرج بنفسه، وإلّافسد الحال. وقدم قاصد الأمير برلغي أيضا بكتابه يخبر أنّ جميع من معه من أمراء الطبلخاناه ساروا إلى الملك الناصر ولم يبق معه سوى نائب الكرك، ووزير بغداد (٢)، وباكير، والدكز، والفتّاح لا غير. فجبن عن الخروج وأظهر كراهة سفك الدماء. وتعلّل بولاية الخليفة له وعزل الملك الناصر، وأنّه ما لم يقبلوا ذلك ترك لهم الملك واستسلم لقضاء الله.

فركب برلغي وآقوش نائب الكرك من العبّاسة، وسارا يريدان الملك الناصر. وعاد وزير بغداد وبكتوت الفتّاح في من بقي من البرجيّة إلى المظفّر فعنّفوه على تفريطه وتوانيه. وكان قد أمّر من مماليكه والزامه في أوّل رمضان عدّة سبعة وعشرين، وشقّوا القاهرة بشعار الإمرة على ما كانت العادة. فصارت العوامّ تقول: يا فرحة لهم، يا فرحة لا تمّت!


(١) الملك عقيم: لا وراثة فيه بالنسب. وانظر التعليق الهامّ من ناشر السلوك المرحوم محمد مصطفى زيادة ٢/ ٦٥ هامش ٤.
(٢) في السلوك: أيبك البغداديّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>