للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: أردت أن أهدم رياعكم وأغوّر قلبكم (١)، وأعقر نخلكم وأنزلكم بالسراة فلا يجيئكم أحد من أهل الحجاز وأهل العراق، فإنّهم لكم مفسدة.

قلت: يا أمير المؤمنين، إنّ سليمان عليه السلام أعطي فشكر، وأيّوب عليه السلام ابتلي فصبر، وإنّ يوسف عليه السلام ظلم فغفر.

وأنت من ذلك السّنخ (٢)، (قال): فتبسّم وقال:

أعد! فأعدت. قال: مثلك فليكن زعيم القوم، وقد عفوت عنكم، ووهبت لكم حرم أهل البصرة.

ويروى أنّ الحسن بن زيد لمّا ولي المدينة قال لإبراهيم بن هرمة: إنّي لست كمن باع لك دينه رجاء مدحك أو خوف ذمّك. قد أفادني الله بولادة نبيّه الممادح وجنّبني المقابح، وإنّ من حقّه عليّ ألّا أغضي على تقصير في حقّه. وأنا أقسم بالله:

لئن أتيت بك سكران لأضربنّك حدّين: حدّا للخمر، وحدّا للسكر! ولأزيدنّ لموضع حرمتك بي. فليكن تركك لله تعن عليه، ولا تدعها للنّاس فتوكل إليهم.

فنهض ابن هرمة وهو يقول [الوافر]:

نهاني ابن الرسول عن المدام ... وأدّبني بآداب الكرام

وقال لي اصطبر عنها ودعها ... لخوف الله لا خوف الأنام

وكيف تصبّري عنها، وحبّي ... لها حبّ تمكّن في عظامي؟

أرى طيب الحلال عليّ خبثا ... وطيب العيش في خبث الحرام (٣)

١١٥٣ - الحسن بن زيرك الطبيب [- ٢٧٠] (٤)

الحسن بن زيرك، كان من أطبّاء مصر في أيّام أحمد بن طولون، فاتّفق أنّه لمّا قدم أحمد بن طولون من الشام في مرضه، أحضر الحسن هذا وشكا إليه طبيبه سعيد بن نفيلة النصرانيّ، فسهل الحسن على ابن طولون أمر علّته وقال له: أرجو لك السلامة عن قرب.

وعند ما استراح ابن طولون من حركة السفر واطمأنّ باجتماع شمله وهدوء نفسه، خفّت عنه العلّة، فتبرّك بالحسن، إلّا أنّ الأقدار لم تساعده، وشرع ابن طولون يخلط مع حرمه فتزايدت به العلّة، فاستدعى الأطبّاء وكتم عنهم ما كان منه من سوء التدبير [٣٥٠ ب] والتخليط. واشتهى سمكا قريسا (٥) فأكله. وعند ما استقرّ في معدته تتابع الإسهال، فأحضر الحسن وقال له: أحسب أنّ الذي سقيتنيه اليوم كان غير صواب.

فقال: يحتاج الأمير أيّده الله، إلى إحضار جماعة أطبّاء الفسطاط إلى داره في غداة كلّ يوم، حتّى يتّفقوا على ما يأخذه، وما سقيتك إلّا ما تولّى عجنه ثقتك، وجميعه ينهض القوّة الماسكة في معدتك وكبدك.

فضاق صدر ابن طولون وقال: والله لئن لم ينجع فيّ تدبيركم لأضربنّ أعناقكم بأسركم، فإنّكم تمخرقون على العليل ولا يحصل منكم شيء في الحقيقة.

فخرج من بين يديه وهو يرعد، وكان شيخا كبيرا. فحميت كبده من سوء فكره وخوفه وتشاغل بالهمّ عن المأكل والمشرب والنوم، واعتاده


(١) القلب ج قليب: الآبار.
(٢) السنخ: الأصل.
(٣) ديوانه، نشر المعيبد، النجف ١٩٦٩ ص ٢٢٤.
(٤) الوافي ١٢/ ٢٤ (١٧)، ابن أبي أصيبعة ٣/ ١٣٨.
(٥) السمك القريس: المصبّر في الحوامض.

<<  <  ج: ص:  >  >>