للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: لا.

قلت: ما الفرق بينهما، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم المأمور فيهما جميعا؟

(قال): فسكت.

ثمّ قال: يا أهل المدينة، ما أجرأكم على كتاب الله عزّ وجلّ!

فقلت: أجرأ منّا على كتاب الله من يخالفه.

فقال: الله تعالى يقول: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: ٢]، فقلتم أنتم: نقضي باليمين مع الشاهد.

فقلت: لكنّا نقول بما قال الله ونقضي بما قضى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّك أنت خالفت قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

قال: فأين؟

قلت: في قصّة حويصة ومحيصة وعبد الرحمن حين قال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قصّة القتيل: أفتحلفون وتستحقّون دم صاحبكم؟

- قالوا: لم نشهد ولم نعاين قال: فتخلفه لكم يهود- فلمّا أن نكلوا عن اليمين، ردّ اليمين على اليهود.

فقال: إنّما كان ذلك استفهام [ا] من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، استفهم من اليهود.

فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا بحضرتك يزعم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استفهم من اليهود!

فقال هارون: ثكلتك أمّك يا ابن حسن! رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستفهم من اليهود؟ نطع وسيف!

(قال): فلمّا رأيت الحدّ من هارون، قلت: يا أمير المؤمنين، إنّ الخصمين إذا اجتمعا تكلّم كلّ واحد منهما بما لا يعتقده ليقطع به صاحبه. وما أرى محمّدا أراد بهذا نقصا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فسرّيت عنه، ثمّ ركبنا وخرجنا من الدار. فقال لي: يا أبا عبد الله، فعلتها!

فقلت: فكيف رأيتها بعد ذلك؟

[[إيثاره طلب العلم على طلب الشعر والأدب]]

وفي رواية عن الشافعيّ أنّه قال: كنت امرأ أكتب الشعر فآتي البوادي فأسمع منهم، فقدمت [١٢٤ ب] مكّة، ثمّ خرجت وأنا أتمثّل شعر لبيد، فجذبني رجل من ورائي من الحجبة (١)، وحشّ قدمي بالسّوط فقال لي: رجل من قريش، ثمّ من بني المطّلب، رضي من دنياه ودينه أن يكون معلّما؟ ما الشعر؟ يا هذا إذا استحكمت فيه وبلغت الغاية كنت معلّما. تفقّه يرحمك الله يعلك ويرفعك وينفعك!

(قال): فنفعني الله بكلام ذلك الحجبيّ، فرجعت إلى مكّة فكتبت من ابن عيينة ما شاء الله أن أكتب. ثمّ إنّني كنت أجالس مسلم بن خالد الزنجيّ، ثمّ قدمت على أبي عبد الله مالك بن أنس، فكتبت موطّأه، ثمّ قلت: يا أبا عبد الله، أقرأ عليك؟

فقال لي: يا ابن أخي، تأتي برجل يقرؤه عليّ وتسمع.

فقلت له: أنا أقرؤه عليك.

فسمع إلى قراءتي فقال لي: اقرأ!

فلمّا سمع قراءتي وأصغى إلى كلامي، أعجبه ذلك، فلم يزل يقول لي: «اقرأ! »، فقرأت عليه كتبه حتّى إذا بلغت كتاب السّير، قال: الصلاة!

فانتبهت. ثمّ قال لي: يا ابن أخي، تفقّه تعل!


(١) حجبة الكعبة وهم بنو طلحة أو بنو عبد الدار. وحشّ قدمه ضربها. وتأتي رواية أخرى للحادثة ص ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>