للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأصحبها جارية له سوداء تعادلها وتخدمها. وأمر بناقة ومحمل (١) فأدخلت فيه وجعلها معي وسرت إلى مكّة مع القافلة فقضينا حجّنا. ثمّ دخلنا في قافلة العراق وسرنا. فلمّا وردنا القادسيّة أتتني السوداء عنها فقالت: تقول لك سيّدتي: أين نحن؟

فقلت لها: نحن نزول بالقادسيّة.

فانصرفت وأخبرتها. فلم أنشب (٢) أن سمعت صوتها قد ارتفع بالغناء [الكامل]:

لمّا وردنا القادس ... يّة حيث مجتمع الرفاق

وشممت من أرض الحج ... از نسيم أنفاس العراق

أيقنت لي ولمن أح ... بّ بجمع شمل واتّفاق

وضحكت من فرح اللق ... اء كما بكيت من الفراق (٣)

فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيدي بالله! أعيدي بالله! (قال): فما سمع لها كلمة. ثمّ نزلنا الياسريّة وبينها وبين بغداد نحو خمسة أميال [٣٣٣ ب] في بساتين ينزل الناس بها فيبيتون ليلتهم ثمّ يبكّرون لدخول بغداد. فلمّا كان قرب الصباح إذا بالسوداء قد أتتني مذعورة. فقلت: ما لك؟

قالت: إنّ سيّدتي ليست بحاضرة.

فقلت: ويلك! وأين هي؟

قالت: والله ما أدري.

(قال): فلم أحسّ لها أثرا البتّة. ودخلت بغداد وقضيت حوائجي بها وانصرفت إلى تميم فأخبرته خبرها فعظم ذلك عليه واغتمّ له. ثمّ ما زال بعد ذلك ذاكرا لها واجما عليها (٤).

١٠٢٨ - أبو الطاهر الباديسيّ [- ٥٦٥]

[٣٣٣ ب] تميم بن المعزّ بن يعلى الباديسيّ، الفقيه أبو الطاهر، المالكيّ. يروي عن سند بن عنان الأزديّ. توفّي سنة خمس وستّين وخمسمائة.

١٠٢٩ - تكين الخاصّة [- ٣٢١]

الأمير أبو منصور الخزريّ. ولي مصر من قبل


(١) المحمل هو الهودج.
(٢) أي: لم ألبث.
(٣) جاء في الهامش: هذه الأبيات لأبي عمران موسى بن عبد الملك الأصبهاني صاحب ديوان الخراج أيّام المتوكّل. مات في شوّال سنة ٢٤٦، وتتمّتها:
لم يبق لي إلا تج ... شّم هذه السبع البواقي
حتى يطول حديثنا ... بصفات ما كنّا نلاقي
والأبيات في ترجمته بوفيات الأعيان (رقم ٧٥٠).
(٤) هذه الترجمة لا تفيدنا فيما كنّا نأمله: معرفة الأسباب الحقيقيّة لعزله عن ولاية العهد، فقد سكت عنها المقريزي واكتفي بالسبب «الرسميّ» المتداول، وهو أنّه لا يعقب، ولعلّه كان عنّينا أو حصورا أو مبتلى بشذوذ الجنس، ممّا تشعر به سيرة الأستاذ جوذر.
ونفهم من سيرة جوذر أيضا أنّ هناك أسبابا سياسيّة، أي تآمرا مع بعض أفراد الأسرة من أبناء القائم والمهدي على المعزّ.
وقد طرق المقريزي المعنى المألوف بخصوص هذا الشاعر الرقيق: وهو حبّه للغناء والمجالس الأدبيّة، وخروجه الكثير إلى البساتين والجولات على النيل، مع طيبة نفسه وكرمه الكبير. والصورة بعد إيجابيّة، فليس فيها تفاصيل فحش أو مجون أو خروج عن جادّة الأخلاق، كما نجده في مصادر أخرى.
وأفادتنا الترجمة أخيرا ببعض الأبيات التي خلا منها ديوانه المنشور.
ونبقى على جهل بصاحب الحاشيتين: التعريف بعبد الله بن محمد الكاتب، وبقائل الأبيات القافيّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>