للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فابعثوا إلينا غرماءنا.

فلمّا سمع السلطان الرسالة بكى وحلف أنّه لم يكن له علم بشيء من ذلك. وحلف أيضا بكتمر وقال: إنّما ركبنا وفي ظنّنا أنهم يريدون قتل السلطان وإقامة غيره، وقصد الأمراء بهذا الكلام أن يمسكوا مماليك السلطان شيئا بعد شيء حتّى يتمكّنوا من غرضهم، وأنا آخذ ابن أستاذي ومماليكه وأسير إلى الكرك.

فغضب الأمراء من كلام بكتمر وهمّوا بالركوب عليه ومحاربته. ثمّ بعثوا إلى الأمير بكتاش الفخري الأتابك، وكان على الجاليش (١)، وبينهما مرحلة، يخبرونه بما وقع، فبعث يوصيهم بأن لا يتعرّض أحد إلى السلطان بما يكره. فأخذ سلّار يداري الأمر، وركب بنفسه وأصلح بين بكتمر والبرجيّة، وقبض على الأويراتيّة وعاقبهم فأقرّوا بما عزموا عليه من قتل بيبرس وسلّار وإعادة كتبغا [٨٦ ب] إلى السلطنة. فاطمأنّوا عند ذلك إلى السلطان، وشنق من الأويراتيّة نحو الخمسين بثيابهم وكلفتاتهم، وفرّ قطلوبرس فنهب أثقاله، وأخذت البرجيّة تغري بيبرس بسلّار وتوحش بينهما بأنّه موافق لمماليك السلطان. فلمّا بلغ سلّار ذلك دارى الأمر ووافق السلطان على إرسال جماعة من المماليك إلى الكرك، فبعثهم إليها وحبسهم بها.

ووقع الرحيل إلى قرتيّة (٢) بعد أيّام ورسم بالإقامة عليها حتى يعود الرسل بأخبار غازان.

فأتى سيل عظيم تلفت فيه أكثر أمتعة العسكر، وافتقر جماعة منهم فتشاءموا به وتطيّروا منه بأنّه منذر بهزيمتهم من العدوّ، وكثر تحدّثهم بذلك.

فصحّ ما قالوه، ثمّ عقب السيل جراد سدّ الأفق حتى حجب الشمس عن الأبصار فاشتدّت طيرتهم بأنّه منذر بقدوم العدوّ عليهم، ولهجوا بذكر ذلك بحيث صارت السوقة تتداول الكلام به.

[[خروج الناصر لحرب غازان]]

فلمّا أهلّ ربيع الأوّل [سنة ٦٩٩] رحل السلطان والأمراء يريدون دمشق، فدخلها يوم الجمعة ثامنه. وقدم الجفل من حلب وغيرها من الغد.

وورد البريد بنزول غازان في عسكر عظيم على الفرات. فأنفق السلطان في العسكر حينئذ ما بين أربعين دينارا وثلاثين دينارا للفارس، هذا والجند يتتابع قدومهم والإرجاف يعظم بمدد الططر فشحّت أنفس العسكر بإخراج النفقة في شراء ما يحتاجون إليه وتزايدت الأسعار، وأجرى الله على لسان كلّ أحد أنّ عسكر السلطان مكسور، ولهجت الألسنة بذمّ البرجيّة. ثمّ قدم البريد بأنّ غازان على الفرات وجفل أهل الضياع عن آخرهم. وقدم أسندمر كرجي متولّي فتوحات سيس ومعه صاحب سيس، وأخبر بأنّ عسكر غازان استولى على تلّ حمدون بما فيه من الحواصل.

فخرج السلطان وقت الزوال من يوم الأحد سابع عشره، ونزل على حمص وعساكر غازان على سلميّة. فأقام العسكر ثلاثة أيّام بالسلاح، وغلت الأسعار. وركب السلطان سحر يوم الأربعاء ثامن عشرينه بالعساكر وجدّ في السير إلى الرابعة من النهار. فظهرت طوالع غازان، فنودي في العسكر: ارموا الرماح واعتمدوا على ضرب السيف والدبّوس!

فألقوا رماحهم [على] الأرض وساروا ساعة إلى [٨٧ أ] مجمع المروج الذي يعرف اليوم بوادي


(١) الجاليش: راية كبيرة.
(٢) قال ناشر السلوك ١/ ٨٨٥: هي قرب جبرين بفلسطين، وهذه التحرّكات وقعت في صفر ٦٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>