للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العبّاس له جفوة لما بلغه عنه، ثم أظهر له مبرّة، وقال له: لولا أنّ أخي على الحجّ في عامه لولّيتك الموسم، فإنّك رجل من أهل البيت.

وكان أبو جعفر لمّا بلغه أن أبا مسلم على الحجّ كتب إلى أخيه أبي العبّاس من الجزيرة يسأله أن يولّيه الموسم. ويقال: بل كره أبو العبّاس أن يسأله أبو مسلم ولاية الموسم فلا يجد بدّا من توليته إيّاه فكتب إلى أبي جعفر بالقدوم ليقلّده الموسم.

ووافى أبو مسلم فدخل على أبي العبّاس وأبو جعفر عنده، فسلّم على أبي العبّاس ولم يسلّم على أبي جعفر. فقال له أبو العبّاس: هذا أبو جعفر أخي.

فقال: إنّ مجلس أمير المؤمنين مجلس لا تقضى فيه الحقوق.

فأسرّها أبو جعفر وأضافها إلى ما حقده على أبي مسلم من قبل: وهو أنّ أبا العبّاس وجّهه حين استخلف في ثلاثين من بني هاشم ومن الفقهاء، فيهم الحجّاج بن أرطأة (١) إلى أبي مسلم ليهنّئوه بظهور الإمام وما فتح الله على يده، ويعلموه موقع ما كان له من الأمر الجميل عند أمير المؤمنين، والذي هو عليه من شكره. فلمّا قدم عليه أبو جعفر وقف على بابه محجوبا ساعات، ثم أذن له فلم يظهر له من التبجيل ما كان يستحقّه [٨٧ ب] ولم يؤمّره (٢)، فحقد ذلك عليه. فلمّا قدم على أبي العبّاس قال: إنّه لا ملك لك ولا سلطة أو تقتل أبا مسلم، فقد أفرط في الدالّة وعدّى طوره!

فأشار إليه أن اسكت!

ثم لمّا بعث أبو العبّاس أبا جعفر إلى أبي مسلم في أمر أبي سلمة الخلّال، كان يأتي دهليزه فيجلس فيه ويستأذن له الحاجب. ثم أمر بعد ذلك

أن ترفع له الستور إذا جاء وتفتح الأبواب.

وكان يحقد عليه أيضا قتله سليمان بن كثير ويقول: قتل نقيب نقبائنا ورئيس شيعتنا وشيخ دعوتنا. ويحقد أيضا قتل ابنه وقتل لاهز.

فلما خرجا إلى الحجّ كان أبو مسلم يتقدّم أمام أبي جعفر بادئا وراجعا خوفا على نفسه لما كان حقد عليه حين أتاه بخراسان، من إجلاسه إيّاه في دهليزه، وكتابه إليه يبدأ بنفسه، مع أشياء كانت تبلغه عنه. فكان أبو مسلم يقول: ما وجد أبو جعفر سنة يحجّ فيها إلّا هذه السنة التي حججت فيها؟

[[استخلاف أبي جعفر]]

فلمّا قضيا الحجّ وأقبل أبو مسلم، فكان بين البستان وذات عرق (١*) جاء أبا جعفر وفاة أخيه أبي العبّاس السفّاح، وأبو مسلم يتقدّمه بمرحلة فكتب إلى أبي مسلم: إنّه قد حدث حدث ليس مثلك غاب عنه، فصر إليّ!

فلم يقدم عليه، وكتب إليه كتابا بدأ فيه بنفسه.

فقال أبو جعفر: أنا بريء من العبّاس إن لم أقتل ابن وشيكة!

وكان أبو مسلم يصلح العقاب، ويكسو الأعراب في كلّ منزل، فكان ذلك يغيظ أبا جعفر، ويرى أنّه استطالة منه عليه. فلمّا ورد أبو جعفر الأنبار وجد عيسى بن موسى بها وقد حوى الخزائن والأموال وحفظها فسلّمها إليه.

وكان عبد الله بن عليّ قد خلع، فندب أبو جعفر المنصور أبا مسلم لحربه فسارع إلى ذلك ليتخلّص من يده.


(١) الحجّاج بن أرطأة: الوفيات ٢/ ٥٤ (١٥٠).
(٢) أي لم يخاطبه بوصفه أميرا.
(١*) بستان بني عامر وكثيرا ما يقال: البستان فقط (ياقوت).
وذات عرق: في طريق مكّة من الكوفة (تاريخ اليعقوبيّ، ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>