[[إلقاء إبراهيم في النار]]
ثمّ عاد إبراهيم فألقى عليها النار فصارت رمادا. فأخذه نمروذ فرماه في النار. قال قتادة في قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأنعام: ٧٥] قال: خشي إبراهيم من جبّار الجبابرة فجعل الله تعالى رزقا في أصابعه فكان إذا مصّ أصابعه وجد فيها رزقا. فلمّا خرج أراه الله ملكوت السموات والأرض، وكان ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم، وملكوت الأرض الجبال والشجر [٣ ب] والبحار.
وعن ابن عبّاس في هذه الآية: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: ٧٥] قال: يعني به الشمس والقمر والنجوم: لمّا رأى كوكبا قال: «هذا ربّي» حتى غاب قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي [الأنعام: ٧٦ - ٧٧] حتى غاب، فلمّا غاب قال لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ* فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ [الأنعام: ٧٧ - ٧٨] حتى [إذا] غابت قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: ٧٨ - ٧٩].
وعن كعب الأحبار قال: رأى إبراهيم عليه السلام قوما يأتون نمروذ الجبّار فيصيبون منه طعاما فانطلق معهم. فكان كلّما مرّ بالنمروذ رجل قال له: «من ربّك؟ » قال: «أنت ربّي! »، وسجد له إعظاما، فأعطاه حاجته. حتّى مرّ به إبراهيم فقال: من ربّك؟
قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة: ٢٥٨].
وخرج إبراهيم ولم يعطه شيئا. فعمد إبراهيم إلى تراب فملأ به وعاءه ودخل به منزله وأمر أهله أن لا يحلّوه. ووضع رأسه فنام، فحلّت امرأته الوعاء فإذا هو أجود دقيق رأت. فخبزته وقرّبته إليه فقال لها: من أين لك هذا؟
قالت: سرقته من الوعاء.
فضحك. ثم حمد الله وأثنى عليه.
وقال محمد بن إسحاق: حدّثني أبو الأحوص ابن عبد الله قال: خرج قوم إبراهيم إلى عيد لهم فمرّوا عليه فقالوا: يا إبراهيم، ألا تخرج معنا؟
قال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: ٨٩]. وقد كان قال قبل ذلك: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء: ٥٧]. فسمعه إنسان منهم. فلمّا خرجوا إلى عيدهم انطلق إلى أهله فأخذ طعاما ثمّ انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ* ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ* فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ [الصافات: ٩١ - ٩٣] فكسرها إلا كبيرا لهم. ثم ربط في يد [هـ الفأس] الذي كسر به آلهتهم. فلمّا رجع القوم من عيدهم دخلوا فإذا بآلهتهم. فلمّا رجع القوم من عيدهم دخلوا فإذا بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الفأس الذي كسر به الأصنام.
ف قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٥٩] فقال الذين سمعوا إبراهيم بالأمس يقول: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء: ٥٧] سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ [الأنبياء: ٦٠]. فأخذوه فجاهرهم عند ذلك وقال:
أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ [الصافات: ٩٥] قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء: ٦٦ - ٦٧].
(قال) فجمعوا له الحطب ثمّ طرحوه وسطه ثمّ أشعلوا النار عليه فقال الله: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: ٦٩].