للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويقول: ما في قريش كلّها أرجح حلما ولا أفضل علما ولا أسكن طائرا ولا أبعد من كلّ كبر وطيش ودنس من محمّد بن عليّ.

فقال له مروان بن الحكم ذات يوم: والله ما نعرفه إلّا بخير. فأمّا كلّ ما تذكر، فإنّ غيره من مشيخة قريش أولى به.

فقال معاوية: لا تجعلن من يتخلّق لنا تخلّقا وينتحل لنا الفضل انتحالا كمن جبله الله على الخير وأجراه على السداد. فو الله ما علمتك إلّا موزعا (١) مغرى بالخلاف.

وكان يزيد بن معاوية يعرف له ذلك أيضا. فلمّا ولي يزيد، لم يسمع عن ابن الحنفيّة إلّا جميلا، وببيعته إلّا تمسّكا ووفاء، فازداد له حبّا، وعليه تعطّفا.

[مصانعة يزيد لابن الحنفيّة]

فلمّا قتل الحسين بن عليّ رضي الله عنهما وكان من أمر عبد الله بن الزبير ما كان، على ما ذكر في ترجمته (٢) من هذا الكتاب، كتب يزيد بن معاوية إلى محمد بن الحنفيّة يعلمه أن قد أحبّ رؤيته وزيارته إيّاه، ويأمره بالإقدام إليه. فقال له عبد الله ابنه: فإنّي غير آمنه عليك- فخالفه ومضى إلى يزيد. فلمّا قدم عليه أمر فأنزل منزلا وأجرى عليه ما يصلحه ويسعه، ثمّ دعا به فأدنى مجلسه وقرّبه حتى سار معه. ثمّ قال له: آجرنا الله وإيّاك في الحسين بن عليّ. فو الله لئن كان نقصك لقد نقصني. ولئن كان أوجعك لقد أوجعني. ولو أنّي أنا الذي وليت أمره ثمّ لم أستطع دفع الموت عنه إلّا بحزّ أصابعي أو بذهاب نواظري لفديته بذلك، وإن كان قد ظلمني وقطع رحمي. ولا أحسبه إلّا

قد بلغك أنّا نقوم به فننال منه ونذمّه. وايم الله! ما نفعل ذلك لئلّا تكونوا الأحبّاء الأعزّاء، ولكنّا نريد إعلام الناس بأنّا لا نرضى أن ننازع أمرا خصّنا الله به وانتجبنا الله له.

فقال له محمد بن الحنفيّة: وصلك الله، ورحم حسينا وغفر له. قد علمنا أنّ ما نقصنا فهو لك ناقص، وما غالنا فهو لك غائل، وما حسين بأهل أن [١٢٦ أ] تقوم به فتقصبه وتجدّبه (٣)، وأنا أسألك يا أمير المؤمنين ألّا تسمعني فيه شيئا أكرهه.

فقال يزيد: يا ابن عمّ، لست تسمع شيئا تكرهه.

وسأله عن دينه فقال: ما عليّ دين.

فقال يزيد لابنه خالد بن يزيد: إنّ عمّك هذا بعيد من الخبث واللّؤم والكذب. ولو كان كبعض هؤلاء لقال: عليّ كذا وكذا.

ثمّ أمر له بثلاثمائة ألف درهم، فقبضها. ويقال إنّه أمر له بخمسمائة ألف درهم، وعروض بمائة ألف درهم. وكان يزيد يتصنّع لابن الحنفيّة ويسأله عن الفقه والقرآن. فلمّا جاء ليودّعه قال له: يا أبا القاسم، إن كنت رأيت منّي خلقا تنكره نزعت عنه وأتيت الذي تشير به عليّ.

فقال: والله لو رأيت منك منكرا ما وسعني إلّا أن أنهاك عنه وأخبرك بالحقّ لله فيه، لما أخذ الله على أهل العلم من أن يبيّنوه للناس ولا يكتموه.

وما رأيت منك إلّا خيرا.

[[مبدأ فتنة ابن الزبير]]

وشخص من الشام حتى ورد المدينة. فلمّا وثب الناس بيزيد وخلعوه ومالوا إلى عبد الله بن الزبير، وأتاهم مسلم بن عقبة المرّي في أهل


(١) موزعا: مفعول من أوزعه بالشيء: أغراه به.
(٢) مرّت ترجمة عبد الله بن الزبير برقم ١٤٨١.
(٣) قصبه بوزن ضرب: منعه الماء، وجدّبه: أضعفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>