للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووثب أهل الريّ فأغلقوا باب المدينة، فقال طاهر لأصحابه: «اشتغلوا بمن أمامكم عمّن خلفكم فإنّه لا ينجيكم إلّا الجدّ والصدق». ثم اقتتلوا قتالا شديدا، وحملت ميمنة عليّ على ميسرة طاهر فانهزمت هزيمة منكرة وحملت ميسرته على ميمنة طاهر فأزالتها أيضا عن موضعها. فقال طاهر: اجعلوا جدّكم وبأسكم على القلب واحملوا عليهم حملة خارجية. فإنّكم متى فضضتم منها راية واحدة رجعت أوائلها على أواخرها.

فصبر أصحابه صبرا صادقا وحملوا على أوّل رايات القلب فهزموهم وأكثروا فيهم القتل، ورجعت الرايات بعضها على بعض، فانتقضت ميمنة عليّ، ورأى أصحاب ميمنة طاهر وميسرته ما فعل أصحابهم فرجعوا على من بإزائهم فهزموهم. وانتهت الهزيمة إلى عليّ فجعل ينادي أصحابه: أين [١١٩ ب] أصحاب الجواشن والجوائز والأساورة والأكاليل؟ إلى الكرّة بعد الفرّة!

فرماه رجل من أصحاب طاهر بسهم فقتله وحمل رأسه إلى طاهر، وشدّت يداه إلى رجليه وحمل على خشبة إلى طاهر فأمر به فألقي في بئر.

وأعتق طاهر من كان عنده من غلمانه شكرا لله تعالى (١).

وتمّت الهزيمة على أصحاب علي ووضع أصحاب طاهر فيهم السيوف وتبعوهم فرسخين واقفوهم فيها اثنتي عشرة مرّة، في كلّ ذلك ينكسر أصحاب عليّ ويقتل أصحاب طاهر منهم ويأسرون حتى حال الليل بينهم. وغنموا غنيمة عظيمة.

ونادى طاهر: «من ألقى السلاح فهو آمن! »

فطرحوا أسلحتهم ونزلوا عن دوابّهم.

ورجع طاهر إلى الريّ، وكتب إلى المأمون وذي الرئاستين بعد البسملة: كتابي إلى أمير المؤمنين، ورأس عليّ بين يدي وخاتمه في أصبعي، وجنده مصرّفون تحت أمري، والسلام.

فورد الكتاب مع البريد في ثلاثة أيّام، وبينهما نحو من خمسين ومائة فرسخ. فدخل ذو الرئاستين على المأمون فهنّأه بالفتح، وأمر الناس فدخلوا عليه فسلّموا عليه بالخلافة. ووصل رأس عليّ بعد الكتاب بيومين فطيف به في خراسان.

فلمّا بلغ الأمين الخبر بقتل عليّ بن [عيسى] بن ماهان، بعث الفضل بن الربيع إلى نوفل الخادم وكيل المأمون على ملكه بالسواد، والناظر في أمر أولاده ببغداد، فأخذ جميع ما عنده، ومن جملته ألف ألف درهم كان الرشيد وصل المأمون بها.

وقبض ضياعه وغلّاته.

[[هزيمة ثانية لجيش الأمين]]

ووجّه الأمين بعبد الرحمن بن جبلة الأنباري (١*) في عشرين ألفا نحو همذان، واستعمله عليها وعلى كلّ ما يفتحه من أرض خراسان وأمره بالجدّ وأمدّه بالأموال. فسار من بغداد حتّى نزل همذان فحصّنها ورمّ سورها. فأتاه طاهر إلى همذان فبرز إليه على تعبئته فاقتتلوا قتالا شديدا صبر فيه الفريقان. فكثر القتل والجرح فيهم. ثم انهزم عبد الرحمن وامتنع بهمذان أيّاما حتّى قوي أصحابه وأندملت جراحهم، ثم خرج. فقال طاهر لأصحابه: إنّ عبد الرحمن يريد أن يتراءى لكم، فإذا قربتم منه قاتلكم، فإن هزمتموه دخل المدينة


(١) انظر الطبريّ تحت سنة ١٩٥ (ج ٨/ ٤١١).
(١*) هو الأنصاري فيما سبق والأبناويّ عند الطبريّ، ولا يفهم هذا السهو من المقريزيّ، والنسخة بخطّه. ولعلّ القراءة الصحيحة هي: الأبناوي لا الأنباري.

<<  <  ج: ص:  >  >>