للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بعض أعماله المعماريّة]:

وشرع في إنشاء جسر من قليوب إلى دمياط، فعمل عمله في نحو شهر، وجاء طوله مسافة يومين (١) في عرض أربع قصبات من أعلاه وستّ من أسفله، بحيث سار عليه ستّة أرؤس من الخيل صفّا واحدا، وعظم الانتفاع به، فإنّ السلوك في أيّام النيل كان يمتنع في البرّ إلى دمياط لعموم الماء الأراضي.

ورمّ ما تخرّب من قناطر الجيزة، فحصل بها نفع زائد.

ثمّ كتب في سنة تسع إلى الأفرم نائب الشام بإبطال المقرّر على الخمور بسائر البلاد الشاميّة من الساحل وغيره (٢)، فبطل ذلك وأريقت الخمورو غلّقت الخمّارات. وعوّض الأجناد الذين كان مرتّبهم على مقرّر الخمور جهة سواها.

وشرع في تقديم البرجيّة، فأمّر منهم جماعة، وندب واحدا منهم كان يعرفه بالصرامة والقوّة لتتبّع المنكرات بالقاهرة ومصر وإزالتها حيث كانت. فأحضر واليي القاهرة [٣١٥ أ] ومصر ومقدّميهما وجميع الخفراء، فضرب جماعة منهم بالمقارع حتى دلوه على من عنده خمر، فكتب أسماءهم وأماكنهم، وكبس البيوت على حين غفلة، ومعه طوائف من العامّة، وأراق خمورا كثيرة جدّا. فافتضح كثير من الناس، ونهب العامّة نهبا كثيرا من أمتعة أهل الدور. فشنّعت القالة وتحدّث الأمراء مع السلطان في ذلك حتى رسم بالكفّ عنه.

[تعسّر الحال بمصر في مدّته]:

وكثر الإرجاف بحركة التتر إلى بلاد الشام، فبرز الدهليز السلطانيّ إلى الربدانيّة خارج القاهرة، وقد فشت الأمراض الحادّة في الناس وعمّ الوباء، وتوقّفت زيادة النيل وارتفعت الأسعار حتى بلغ القمح خمسين درهما الإردبّ.

وترقّب كلّ أحد شدّة القحط، فخرج الناس واستسقوا. وتأخّر وفاء النيل بعد النوروز بتسعة وأربعين يوما فلم يوف إلى تاسع عشر بابه (٣) حتى صارت العامّة تلهج كثيرا بقولها:

سلطاننا ركين ... ونائبنا دقين

يجينا الماء من أين؟ ... يجيبوا لنا الأعرج

يجيء الماء ويدحرج (٤)

ثمّ سار عدّة من الأمراء على ألفي فارس إلى حلب، فأخذت دولته في الاضطراب: وذلك أنّه كثر توهّمه من الملك الناصر وقصد كلّ أحد من أتباعه والزامه أن يرقى إلى أعلى من منزلته، وصاروا يتّهمون الأمير سلّار النائب بمباطنة الناصر، وأغروا السلطان به وحسّنوا له القبض عليه، فجبن عنه. ومع ذلك فلم يترك الملك الناصر بل وجّه إليه بالأمير مغلطاي أيتغلي (٥)، ومعه كتاب يتضمّن إرسال ما أخذه من مال مصر وخيولها والمماليك الذي عنده، مع المال الذي


(١) عبارة السلوك ٢/ ٤٩ أسلم: يسير عليه الراكب يومين، وهذا الطول مفرط.
(٢) في السلوك ١/ ٥٣ ما يشعر بأنّ الإبطال كان من الأفرم ابتداء، فعمّم بيبرس الحجر على سائر مملكته.
(٣) بابه من شهور القبط: تشرين الأوّل/ أكتوبر (مروج ٢/ ٣٣٥).
(٤) في بدائع الزهور ١/ ٤٢٤ شرح لهذه النعوت: ركين تصغير ركن الدين وهو لقب بيبرس، ودقين نعت سلّار لأنّه كان «أجرود، في حنكه بعض شعرات». أمّا الأعرج فهو الناصر ابن قلاوون، «وكان به بعض العرج».
(٥) علاء الدين مغلطاي أيتغلي؛ السلوك ٢/ ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>