الفرغاني (١) وغير [هم] من الوجوه عند الشريف أبي جعفر مسلّم وسألوه أن يكتب إلى جوهر في إعادة الأمان، فكتب كتابا بإملاء الروذباري وبعثه.
وكتب مع غلامه سعادة الأسود كتابا آخر، وجلس الناس عنده لانتظار الأمان نهارهم. فطاف عليّ بن الحسين بن لؤلؤ صاحب الشرطة ومعه رسول لجوهر، ومعه جابر بن محمّد الداعي، ومعهم بند عليه [اسم] المعزّ لدين الله، وبين أيديهما الأجراس، بأن لا مؤنة ولا كلفة، وأمّن الناس.
وكان جابر قد فرّق البنود التي عنده فنشر كلّ من عنده بند [بنده] في دربه. فلمّا كان وقت العصر وافى سعادة بجواب جوهر، ونصّه بعد البسملة:
[عهد جديد من جوهر إلى الشريف الحسينيّ]
وصل كتاب الشريف الجليل، أطال [٣٦٢ ب] الله بقاءه وأدام عزّه وتأييده وعلوّه، فهو المهنّأ بما هنّأ به من الفتح الميمون. ووقفت على ما سأل من إعادة الأمان الأوّل، وقد أعدته على حاله، وجعلت إلى الشريف، أيّده الله، أن يؤمّن كيف رأى وكيف أحبّ، ويزيد على ما كتبته كيف شاء، فهو أماني وعن إذني وإذن مولانا وسيّدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وقد كتبت إلى الوزير أيّده الله بالاحتياط على دور الهاربين إلى أن يرجعوا إلى الطاعة ويدخلوا فيما دخلت فيه الجماعة. ويعمل الشريف أيّده الله على لقائي في يوم الثلاثاء لسبع عشرة تخلو من شعبان [سنة ٣٥٨].
فاستبشر الجماعة وعملوا على الغدوّ إلى الجيزة. ثمّ سأل الشريف غلامه عمّن قتل فقال:
نحرير الأزغلي، ومبشّر الإخشيديّ، ويمن الطويل وبلال.
فقال له: [أ] تدري ويلك ما تقول؟
فقال: رأيت رءوسهم في طشت فضّة.
فقال له: ومن؟
فقال: وخلق كثير قد جمعت رءوسهم.
فبات الناس على هدوء وطمأنينة. ولمّا كان في غداة يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان، خرج الشريف أبو جعفر مسلّم والوزير أبو الفضل جعفر ابن الفرات، وسائر الأشراف والقضاة، وأهل العلم، والشهود، ووجوه التجّار والرعيّة إلى الجيزة. فلمّا تكامل الناس أقبل القائد جوهر في عساكره، فصاح بعض حجّابه: الأرض، إلّا الشريف والوزير!
وتقدّم الناس، وأبو جعفر أحمد بن نصر التاجر يعرّفه بالناس واحدا واحدا. فلمّا فرغوا من السلام عليه مضى إلى فسطاطه فأقام إلى أن زالت الشمس. [ف] سارت العساكر وعبرت الجسر أفواجا أفواجا ومعهم صناديق المال على البغال وأقبلت القباب. ثمّ جاء القائد جوهر في حلّة مذهّبة مثقل [ة] تحفّ به فرسانه ورجّالته، ومدّ العسكر بأسره إلى المناخ الذي رسم به المعزّ، وهو موضع القاهرة. فلمّا استقرّت به الدار جاءته الألطاف والهدايا، فلم يقبل من أحد شيئا، إلّا طعام الشريف مسلّم وحده.
فلمّا أصبح أنفذ عليّ بن الوليد قاضي عسكره، وبين يديه أحمال مال، ومناد ينادي: من أراد الصدقة فليصر إلى دار أبي جعفر أحمد بن نصر!
فاجتمع خلق من المستورين والفقراء، فصار بهم إلى الجامع العتيق وفرّق فيهم.
(١) عبد الله بن أحمد الفرغاني، هو أيضا أبو محمد في عيون الأخبار ٦٨١، ولعلّه هو المؤرّخ المذكور في كتاب الولاة (ص ٤) في ترجمة الكندي.