ولا ينفع مسموع ... إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع
وقال الربيع: سمعت الشافعيّ يقول [الهزج]:
إذا القوت تأتّى ل ... ك والصحّة والأمن
وأصبحت أخا حزن ... فلا فارقك الحزن!
وممّا يرويه للشافعيّ [الوافر]:
أمتّ مطامعي فأرحت نفسي ... فإنّ النفس ما طمعت تهون
وأحييت القنوع وكان ميتا ... ففي إحيائه عرض مصون
إذا طمع يحلّ بقلب عبد ... علته مهانة وعلاه هون
وقال المزنيّ: أخذ الشافعيّ بيدي ثمّ أنشدني [الطويل]:
أحبّ من الإخوان كلّ مؤات ... وكلّ غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني في كلّ خير أريده ... ويحفظني حيّا وبعد مماتي
ومن لي بهذا؟ ليت أنّي وجدته ... فقاسمته ما لي من الحسنات [١٦٦ ب]
فأقسم بالرحمان أن لو وجدته ... لقاسمته ما لي من الخيّرات
٥ تصفّحت إخواني فكان جميعهم ... على كثرة الإخوان غير ثقات
[سخاء الشافعيّ]:
وعن الربيع: قال لنا الشافعيّ: دهمني في هذه الأيّام أمر أمضّني وآلمني، ولم يطّلع عليه غير الله تعالى. فلمّا كان البارحة أتاني آت في منامي فقال: يا محمد بن إدريس، قل: «اللهم إنّي لا أملك لنفسي ضرّا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا أستطيع أن آخذ إلّا [ما] أعطيتني، ولا أتّقي إلّا ما وقيتني. اللهمّ فوفّقني لما تحبّ وترضى من القول والعمل في عافية». فلمّا أصبحت أعدت ذلك، فلمّا ترحّل النهار أعطاني الله طلبتي وسهّل لي الخلاص ممّا كنت فيه، فعليكم بهذه الدعوات فلا تغفلوا عنها!
وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعيّ:
يا أبا موسى، قد أنست بالفقر حتى صرت لا أستوحش منه.
وقال عمرو بن سواد: كان الشافعيّ أسخى الناس بالدينار والدرهم والطعام، فقال لي:
أفلست في دهري ثلاثة إفلاسات. وكنت أمنح قليلي وكثيري حتّى حلي ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قطّ.
وعن الربيع: قال عبد الله بن عبد الحكم للشافعيّ: إن عزمت أن تسكن البلد- يعني مصر- فليكن لك قوت سنة ومجلس من السلطان تتعزّز به.
فقال الشافعيّ: يا أبا محمد، من لم تعزّه التقوى فلا عزّ له. لقد ولدت بغزّة، وربّيت بالحجاز وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعا قطّ.
وقال المزنيّ: سمعت الشافعيّ يقول: السخاء والكرم يغطّيان عيوب الدنيا والآخرة بعد أن لا تلحقهما بدعة.
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: كان الشافعيّ من أسخى الناس. وكنت آكل معه تمرا ملوّزا (١) من هذا الجراب. فجاء رجل فقعد وأكل،
(١) لوز التمر: حشاه بعجين اللوز.