للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فسمّرتهنّ. فكانت العجوز تئنّ من ألم المسامير، فقالت لها ابنتها الصغرى وهي مسمّرة: يا أمّاه، إيّاك أن يعيب علينا باعة المحلّة! موتي وأنت ساكتة!

فشكره السلطان وأعاده إلى عمله، فاستمرّ فيه مديدة، إلى أن حدث به مرض المفاصل. فطلب الإعفاء. وأقام بالقاهرة، إلى أن سار الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى قتال التتار. فسار مع العسكر في محفّة حتى التقى الفريقان على شقحب. [ف] لبس آلة حربه وركب فرسه، وبه من ورم رجليه وضربانه [ما] ألم شديد. فقال له بعض أصحابه: يا خوند، أنت رائح ترمي نفسك للموت!

فنهره وقال: ويلك! والله لمثل هذا اليوم كنت أنتظر! وإلّا، بأيّ شيء يتخلّص القشّاش من ربّه إلّا بهذا؟

ثمّ اقتحم بفرسه وحمل برمحه على العدوّ، وكأن لم يكن به ألم قطّ. وقاتل حتى قتل في يوم الأحد ثاني شهر رمضان سنة اثنتين وسبعمائة، فوجد فيه عدّة جراحات.

وكان رحمه الله صاحب حرمة وافرة ومهابة [٢٥٤ أ] زائدة. واقترح في أيّامه نوعا شنيعا من العذاب. فأقام خوازيق في الأرض وجعل محدّدها منتصبا قائما، وبأعلاها عود من خشب طويل ختامه بكرة فيعلّق الرجل من المفسدين بيده في تلك البكرة، وترفعه [٢٣٥ أ] حتى يصل إلى آخر الخشبة، ثم يرخيه بسرعة فيقع على الخازوق فيخرج من جسده بحسب ما يقع عليه. فذعر أهل النواحي منه واشتدّ خوفهم وفزعهم وصاروا بحيث لا يقدر أحد منهم على لبس مئزر أسود (١) ولا

يتجاسر أن يتقلّد بسيف ولا يأخذ بيده عصا ولا يركب فرسا في مدّة ولايته.

وأقام عدّة جسور وتراع كثر النفع بها، منها جسر بين ملقة سندفا وأرض سمنود عرف بالشقفيّ.

فلمّا كان بعد موته بمدّة رآه رجل في نومه وسأله عمّا لقي، فقال: سامحني الله وغفر لي بعمارتي جسر الشقفيّ (٢).

٨٧٨ - أيدمر الحلّيّ [- ٦٦٧] (٣)

[٢٥٤ أ] أيدمر الحلّيّ، الأمير عزّ الدين، الصالحيّ، النجميّ، أحد المماليك الصالحيّة نجم الدين أيّوب.

ترقّى في الخدم حتى صار أكبر أمراء مصر وأعظمهم محلّا عند الملك الظاهر بيبرس، وينوب عنه في غيبته لثقته به واعتماده عليه، مع قلّة خبرته، غير أنّ الله خوّله نعما يقصر الوصف عنها.

ومات بدمشق في [أوّل شعبان] سنة سبع وستّين وستّمائة، وقد أناف على الستّين.

٨٧٩ - أيدمر الرشيديّ [- ٧٠٨] (٤)

[٢٥٤ ب] أيدمر الرشيديّ. كان من مماليك الأمير بلبان الرشيديّ خشداش الملك الظاهر بيبرس. وترقّى في خدمه إلى أن عمله أستداره.

وآخر ما عمل أستدار الأمير سلّار نائب السلطنة،


(١) لم نر الوجه في تحريم المئزر الأسود.
(٢) لم نجد جسر الشقفيّ.
(٣) المنهل ٣/ ١٧٠ (٦٠٠)، الوافي ١٠ (٤٤٥٨)، النجوم ٢/ ٢٧، السلوك ١/ ٥٧٤.
(٤) الدرر ١/ ٤٥٨ (١١٢٨)، السلوك ٢/ ٥١، الخطط ٢/ ٤٤، وتاريخ وفاته فيه نظر لأن سلّار النائب مات سنة ٧١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>