للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكنت أهلها وموضعها: رعيت الحقّ في مسارحه وأوردته موارده فأعطيت كلّا بقسطه من نظرك وعدلك ورأيك ومجلسك، حتّى كأنّك من كلّ أحد أو كأنّك لست من أحد.

فأعجبه قوله وأمر له بمال.

وقال له أبو العبّاس مرة: ما تقول في أخوالي بني الحرث بن كعب؟

فقال: هنالك هامة الشرف، وخرطوم الكرم، وعرش الجود. إنّ فيهم لخصالا ما اجتمعت في غيرهم من قومهم: إنّهم لأطولهم أمما، وأكرمهم شيما، وأطيبهم طعما، وأوفاهم ذمما، وأبعدهم همما. هم الجمرة في الحرب، والرّفد في الجدب، والرأس في كلّ خطب، وغيرهم بمنزلة العجب (١).

فقال: لقد وصفت، أبا صفوان، فأحسنت.

وقال البلاذري: حدّثني أبو دهمان بن أبي الأسوار قال: كان أبو العبّاس يسمع الغناء، فإذا قال للمغنّي: «أحسنت» لم ينصرف من عنده إلّا بجائزة وكسوة. فقيل له: «إنّ الخلافة جليلة. فلو حجبت عنك من يشاهدك على النبيذ؟ » فاحتجب عنهم، وكانت صلاته قائمة لهم.

ولمّا بلغ أبا جعفر عبد الله بن محمد استئذان أبي مسلم للحجّ، وهو يومئذ بالجزيرة واليها هي وأرمينيّة عن أخيه [٨٠ ب] أبي العبّاس، كتب إلى أبي العبّاس يسأله توليته الموسم. فكتب إليه يأمره بالقدوم ليقلّده الموسم. ووافى أبو مسلم فدخل على أبي العبّاس، وأبو جعفر عنده، فسلّم على أبي العبّاس ولم يسلّم على أبي جعفر. فقال له أبو العبّاس: هذا أبو جعفر أخي.

فقال: إنّ مجلس أمير المؤمنين مجلس لا

تقضى فيه الحقوق.

[[قتل سليمان بن كثير]]

وكان سليمان بن كثير من النقباء. فلمّا قدم أبو جعفر أخو أبي العبّاس خراسان على أبي مسلم، قال له: إنّا كنّا نحبّ تمام أمركم، وقد تمّ بحمد الله ونعمته. فإذا شئتم قلبناها عليه. وكان محمد بن سليمان بن كثير خداشيّا (١*) فكره تسليم أبيه الأمر إلى أبي مسلم. فلما ظهر أبو مسلم وغلب على الأمر، قتل محمدا. ثم أتى سليمان الكفّيّة، وهم الذين بايعوا على أن لا يأخذوا مالا، وأن تؤخذ أموالهم إن احتيج إليها، ويدخلون الجنّة. ويقال إنّهم أعطوا كفّا من حنطة فسمّوا الكفّيّة. وقال لهم: حفرنا نهرا بأيدينا فجاء غيرنا فأجرى فيه الماء- يعني أبا مسلم. فبلغ قوله أبا مسلم فاستوحش منه، وشهد عليه أبو تراب الداعية، ومحمد بن علوان المروزيّ وغيرهما في وجهه بأنّه أخذ عنقود عنب وقال: «اللهمّ سوّد وجه أبي مسلم كما سوّدت هذا العنقود، واسقني دمه! »، وشهدوا أنّ ابنه كان خداشيّا، وأنه بال على كتاب الإمام. فقال أبو مسلم لبعضهم: خذ بيده «فألحقه بخوارزم! » وكذلك كان يقول لمن أراد قتله. فقتل سليمان بن كثير. وكتب إلى أبي العبّاس بخبره وقتله إيّاه، فلم يجبه عن كتابه.

وبلغ أبا مسلم عن زياد بن صالح تنقّص له وذمّ، وأنّه يقول: «إنّما بايعنا على إقامة العدل وإحياء السّنن، وهذا ظالم يسير سير الجبابرة»، وأنّه مخالف له، قد أفسد عليه قلوب أهل خراسان. فدعا به فقتله. وكان عيسى بن ماهان مولى خزاعة صديقا لزياد ومطابقا على بعض أمره. فقال للناس: «إنّ أمير المؤمنين قد أعظم


(١) العجب: الذنب.
(١*) خداش الداعي العبّاسي: عمّار بن يزيد، مرق إلى الخرّميّة (الطبريّ، ٧/ ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>