للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثلاث وتسعين وستّمائة وعدّى النيل إلى برّ الجيزة وصحبته الأمير بيدرا النائب وغيره من الأمراء.

وسار إلى الطرّانة. فقدّم منها الوزير شمس الدين محمد بن السلعوس إلى الإسكندريّة لتحصيل الأموال وتجهيز تعابي الثياب، فوجد نوّاب بيدرا قد استولوا على المتاجر والاستعمالات وغيرها، فكتب يعرّف السلطان أنّه لم يجد بالثغر ما يكفي الإطلاقات الجاري بها العادة، وأنّ الصنف كلّه قد استولى عليه نوّاب الأمير بيدرا نائب السلطنة.

فاشتدّ غضب [السلطان] وطلب بيدرا وشتمه وأخرق به بحضور الأمراء. فدارى أمره حتّى خرج من بين يديه، وجمع الأمراء أصحابه وشاورهم، فأشاروا عليه بقتل السلطان.

وكان السلطان قد نزل بأرض الحمّامات للصيد، وأقام إلى يوم السبت ثاني عشر المحرّم.

واتّفق أنّ السلطان كان قد أذن لأمرائه الخاصّكيّة أن يتوجّهوا إلى إقطاعاتهم، وانفرد بمماليكه.

وركب من تروجة ليتصيّد. وبعث إلى بيدرا أن يسير تحت الصناجق بالأمراء الذين تأخّروا وبقيّة العسكر. وحملت الزردخاناه وسار بها أمير جاندار.

وسار السلطان في وقت العصر وليس معه غير الأمير شهاب الدين أحمد بن الأشلّ أمير شكار فقط، يريد طيرا سمع به في ناحية تروجة. وساق ليسبق خاصّكيّته إلى أن رأى طيرا كثيرا فصرع منه بالبندق ما شاء الله، والتفت إلى أمير شكار وقال:

أنا جيعان، فهل معك ما آكل؟

فقال: والله ما معي سوى رغيف واحد وفرّوج في صولقي (١) ادّخرته لنفسي.

فقال: ناولنيه!

فتناوله وأكله جميعه. ثمّ قال لأمير شكار:

امسك فرسي حتى أنزل أبول- وكان أمير شكار كثير التبسّط مع السلطان، فقال: ما فيها حيلة:

السلطان على حصان، وأنا على حجرة وما يتّفقان!

فقال السلطان: انزل أنت واركب خلفي حتّى أنزل أنا.

فنزل أمير شكار وناول السلطان عنان فرسه وأمسكه، ثمّ ركب خلف السلطان ونزل [السلطان] فقضى حاجته. ثمّ قام وركب حصانه ومسك فرس أمير شكار حتّى ركب، وإذا بغبار عظيم قد ثار إلى جهته فقال لأمير شكار: امض اكشف الخبر!

[قتله بيد بيدرا (محرّم ٦٩٣)]

فساق يريده وإذا هو بالأمير بيدرا في طائفة من الأمراء. فسألهم عن سبب مجيئهم فلم يجيبوه، ومرّوا كما هم إلى السلطان، وبدره بيدرا بالسّيف فقطع يده وثنّى في ضربه فألقى كتفه. فتقدّم الأمير حسام الدين لاجين وقال: يا بيدرا، من يريد ملك مصر والشام تكون هذه ضربته! - وضرب السلطان على كتفه فحلّه، فسقط إلى الأرض. وجاء بهادر رأس نوبة فوضع السيف في دبره وأخرجه من حلقه. وتناوبه قراسنقر، وأقسنقر الحساميّ، ونوغاي، ومحمد خواجا، وطرنطاي الساقي، والطنبغا رأس نوبة حتّى شفوا أنفسهم، وذلك يوم السبت المذكور، وتركوه وانصرفوا (٢). فبقي مطروحا في موضعه يومين حتى جاء الأمير أيدمر العجميّ متولّي تروجة وحمله في تابوت إلى تروجة وغسّله في الحمّام وكفّنه وخلّاه في بيت


(١) الصولق: الكيس أو الجراب يعلّق على الحزام من الجانب الأيمن (دوزي).
(٢) بعض هؤلاء القتلة لهم ترجمة في المقفّى: الطنبغا ٨٣٥، وبهادر ٩٧٦ وبيدرا ١٠٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>