للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إبراهيم بن أدهم أربع عشرة سنة: حججت فلقيت عبد العزيز ابن أبي دؤاد، فقال لي: ما فعل أخوك إبراهيم بن أدهم؟

قلت: بالشام، في موضع كذا وكذا.

فقال: أما إنّ عهدي به وإنّه ليركب بين يديه ثلاثون شاكريّا (١) بخراسان. ولكنّه أحبّ أن يتبحبح في الجنّة.

وقال أبو الوليد صاحب إبراهيم بن أدهم: كان إبراهيم بن أدهم وأصحابه يمنعون أنفسهم أربع إرادات: الماء، والحذاء، والحمّامات، ولا يجعلون في الملح أبزارا.

وقال إبراهيم بن أدهم: الجوع مرق القلب.

وقال: قلب المؤمن أبيض نقيّ على مثال المرآة، فلا يأتيه الشيطان من ناحية من النواحي بشيء من المعاصي إلّا نظر إليه كما ينظر إلى وجهه في المرآة. وإذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء. فإن تاب من ذنبه محيت النكتة من قلبه وانجلى. وإن لم يتب وعاود أيضا وتتابعت الذنوب ذنب [ا] بعد ذنب، نكت في قلبه نكتة بعد نكتة حتّى يسودّ القلب، وهو قول الله عزّ وجل: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: ١٤] قال: الذنب بعد الذنب حتّى يسوّد القلب، فما أبطأ ما تنجع في هذا القلب المواعظ! فإن تاب إلى الله قبله الله وانجلى عن قلبه كجلاء المرآة.

وعن بقيّة بن الوليد [الحمصيّ] قال (٢): دعاني إبراهيم بن أدهم إلى طعام له، فأتيته، فجلس هكذا- ووضع رجله اليسرى تحت إليته، ونصب

رجله اليمنى، ووضع مرفق يده عليها- ثمّ قال لي) يا أبا محمّد، تعرف هذه الجلسة؟

قلت: لا.

قال: هذه جلسة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كان يجلس جلسة العبيد، ويأكل أكل العبيد. خذوا باسم الله! .

[شواهد من تقشّفه]:

فلمّا أكلنا قلت لرفيقه: أخبرني عن أشدّ شيء مرّ بك منذ صحبته؟

قال: نعم. كنّا يوما صياما، فلمّا كان الليل لم يكن لنا شيء نفطر عليه. فلمّا أصبحنا، قلت: يا أبا إسحاق، هل لك أن نأتي باب الرستن (٣) فنكري أنفسنا مع هؤلاء الحصّادين؟

فأتينا باب الرستن، فجاء رجل فاكتراني بدرهم. فقلت: صاحبي؟

فقال: لا حاجة لي بصاحبك. أراه ضعيفا.

فما زلت به حتّى اكتراه بأربعة دوانق. فحصدنا يومنا ذلك. فأخذت كراءنا فأتيت السّوق فاشتريت حاجتي وتصدّقت بالباقي. فهيّأته وقرّبته إليه. فلمّا نظر إليه بكى. فقلت: ما يبكيك؟

فقال: أمّا نحن فقد استوفينا أجورنا. فليت شعري، أوفينا صاحبنا أم لا؟

فغضبت. فقال: ما يغضبك؟ أتضمن لي أنّا [١٢ أ] وفينا صاحبنا؟

فأخذت الطعام فتصدّقت به. فهذا أشدّ شيء مرّ بي مذ صحبته.

وقال أبو عيسى النخعيّ: رأيت إبراهيم بن أدهم بمكّة عجن عجينا ثم جعل يأكله.


(١) الشاكريّ: الجنديّ من المرتزقة (دوزي).
(٢) بقيّة بن الوليد الحمصي: وفيات ٧/ ٢٨٥ (في ترجمة مقاتل بن سليمان: أعلام النبلاء ٨/ ٥١٨ (١٣٩).
(٣) الرّستن: بلدة بين حماة وحمص على العاصي (ياقوت).

<<  <  ج: ص:  >  >>