للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[أوّل حملة عليه بسبب قوله في التجسيم]:

وفي يوم الجمعة رابع شهر ربيع الآخر سنة تسعين وستّمائة، ذكر على كرسيّه شيئا من الصفات، فشنّع عليه نور الدين بن مصعب، وساعده الفقير المعتقد نجم الدين محمد الحريريّ، وصدر الدين ابن الوكيل (١)، وجماعة.

ومشوا إلى الشيخين شرف الدين المقدسيّ وزين الدين الفارقانيّ، ومنعوه من الجلوس فلم يمتنع، وجلس في الجمعة الثانية. وقال قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن أحمد بن الخويّي حاكم دمشق: أنا على عقيدة الشيخ تقيّ الدين فعوتب على ذلك. فقال: لأنّ ذهنه صحيح، وموادّه كثيرة، فلا يقول إلّا الصحيح.

ثمّ إنّ القاضي شرف الدين المقدسيّ قال: أنا أرجو بركته ودعاءه، وهو صاحبي وأخي.

واجتمع به وجيه الدين ابن المنجّى، وزين الدين الخطيب، فتبرّأ من القضيّة، وعتب ولده صدر الدين، فسكن الأمر بعد ذلك.

[قضية النصرانيّ الذي سبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم]

وتوجّه إلى الحجّ في سنة اثنتين وتسعين وعاد.

فلمّا كان في شهر رجب سنة ثلاث وتسعين، دخل هو والشيخ زين الدين الفارقانيّ إلى الأمير عزّ الدين أيبك الحمويّ نائب دمشق وكلّماه في أمر النصرانيّ الذي سبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فأجابهما إلى إحضاره، وخرج الناس. فرأوا عسّاف بن أحمد بن حجّي الذي أجار النصرانيّ، فكلّموه في أمره، وكان معه رجل من العرب، فقال للناس عن النصرانيّ: إنّه خير منكم! - فرجموه بالحجارة.

وهرب عسّاف. فأحضر النائب لمّا بلغه ذلك، ابن

تيميّة والفارقانيّ وأخرق بهما، وأمر بهما فضربا، وحبسا في العذراويّة، وضرب عدّة من العامّة وحبس منهم ستّة نفر، وضرب والي البلد جماعة وعلّقهم. وسعى النائب في إثبات العداوة بين النصرانيّ وبين من شهد عليه، ليخلّصه. فخاف النصرانيّ عاقبة هذه الفتنة وأسلم. فعقد النائب عنده مجلسا حضره قاضي القضاة وجماعة من الشافعيّة، وأفتوا بحقن دم النصرانيّ، بعد الإسلام. وطلب الفارقانيّ فوافقهم، وطلب ابن تيميّة وطيّب خاطره وأطلقه.

[حملة ثانية عليه بسبب عقيدته الحمويّة]:

وفي يوم الأربعاء سابع عشر شعبان سنة خمس وتسعين، درس ابن تيميّة بالمدرسة الحنبليّة عوضا عن زين الدين ابن المنجّى. وفي شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وتسعين، قام جماعة من الشافعيّة عليه، لكلامه في الصفات. ووقعت بأيديهم فتياه الحمويّة، فردّوا عليه وانتصبوا لعناده. ووافقهم القاضي جلال الدين، الحنفيّ. وأمر بإطلاق النداء على إبطال العقيدة الحمويّة، فنودي بذلك. فانتصر له الأمير سيف الدين طوغان المشدّ (٢)، وطلب الذين قاموا عليه، وضرب المنادي، وجماعة ممّن كانوا معه.

وفي يوم الجمعة ثالث عشره، جلس على عادته وتكلّم على قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤]. وحضر عنده من الغد قاضي القضاة إمام الدين القزوينيّ، وقرئت العقيدة الحمويّة بحضور جماعة، وحوقق على ما فيها فأجاب بما عنده وانفصل المجلس فسكنت القضيّة.


(١) الصدر ابن الوكيل: (- ٧١٦): محمد بن عمر بن مكّي.
معجم الذهبي ص ٥٥٢ (٨١٦).
(٢) في أعيان العصر ١/ ٢٣٧ والوافي ٧/ ٢٢: جاغان المشدّ، وكلّ من طوغان الشمسيّ (ت ٧٤١) وطوغان المنصوريّ (ت ٧٢٤) وجاغان المنصوري (ت ٦٩٩) تولّى شدّ الدواوين بدمشق. انظر تراجمهم في المقفّى بأرقام ١٠٥٠، ١٤٢٨ و ١٤٢٧. فلا ندري إذن من منهم كان في عون ابن تيميّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>