إليّ بعنبرة كان يقلّبها في يده بعتها بخمسة آلاف درهم.
*** وأشرف المأمون ليلة من موضع كان به على الحرس، فقال: هل فيكم من ينشد لأبي نواس أربعة أبيات؟
فقال غلام من الحرس: أنا يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداءك!
قال: هات!
فأنشد [البسيط]:
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
كأسا إذا انحدرت من حلق شاربها ... أخذته حمرتها في العين والخدّ
فالخمر ياقوتة، والكأس لؤلؤة ... في كفّ لؤلؤة ممشوقة القدّ
تسقيك من عينها خمرا ومن يدها ... خمرا، فما لك من سكرين من بدّ
لي نشوتان، وللندمان واحدة ... شيء خصصت به من بينهم وحدي
[١٣٠ ب] فقال المأمون: «هذا والله الشعر، لا قول الذي يقول: ألا هبّي بسلحك فالطخينا! » وأمر للغلام بأربعة آلاف درهم.
[[من خطبه]]
وقال يحيى بن أكثم: خطب المأمون يوم الجمعة، فقال بعد الثناء على الله عزّ وجلّ والصلاة على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم: أوصيكم عباد الله بتقوى الله وحده، والعمل لما عنده، والتنجّز لوعده، والخوف لوعيده، فإنّه لا يسلم إلّا من اتّقاه ورجاه، وعمل له وأرضاه. اتّقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم.
وترحّلوا فقد جدّ بكم، واستعدّوا للموت فقد أظلّكم، وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا. واعلموا أنّ الدنيا ليست لكم بدار، فاستبدلوا فإنّ الله لم يخلقكم ولم يترككم سدى، وما بين أحدكم وبين الجنّة أو النار إلّا الموت أن ينزل به. وإنّ غاية تنقضها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة أن تنقصالمدّة. وإنّ غائبا يحدوه الجديدان الليل والنهار لحريّ بسرعة الأوبة. وإنّ قادما يحلّ بالفوز والشقوة لمستحقّ لأفضل العدّة، فاتّقى عبد ربّه ونصح نفسه وقدّم توبته وغلب شهوته، فإنّ أجله مستور عنه وأمله خادع له، والشيطان موكّل به يزيّن له المعصية ليركبها ويمنّيه التوبة ليسوّفها حتى تهجم عليه منيّته أغفل ما يكون عنها، فيا لها حسرة على ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة أو تؤدّيه أيّامه إلى شقوة. فنسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم ممّن لا تبطره نعمته ولا تقصّر به عن طاعته ولا تحلّ به بعد الموت حسرة، إنّه سميع الدعاء، وبيده الخير، وإنّه فعّال لما يريد.
*** [(قال)] وسمعت المأمون يخطب يوم العيد، فأثنى على الله وصلّى على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأوصاهم بتقوى الله وذكر الجنّة والنار ثم قال: عباد الله، عظم قدر الدارين وارتفع جزاء العاملين، وطال أمد المرتقبين، فو الله إنّه للجدّ لا اللعب، وإنّه للحقّ لا الكذب، وما هو إلّا الموت والبعث والحساب، والفصل والصراط ثمّ العقاب والثواب. فمن نجا يومئذ فقد فاز، ومن هوى يومئذ فقد خاب، الخير كلّه في الجنّة والشرّ كلّه في النار.
[[المأمون والواعظ الكاذب]]
وقال الحسن بن عبد الجبّار: بينا المأمون في بعض مغازيه يسير منفردا عن أصحابه، ومعه