للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وصنعنا»، وأكثر مثل هذا بحضرة المهديّ حتى أغضبه وقال له: «اخرج، فلا أقام الله دولة تقيمها أنت وأخوك! ».

فقال أبو عبد الله: وقد بلغت منه حتى أحوجته إلى هذا الكلام إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة: ١٥٦].

وحضر المائدة من ذلك اليوم وقد تغيّر وجهه ولونه، وظهر عليه ما حرّكه به أبو العبّاس.

[المهديّ والقرامطة]

وذكر القرطيّ (١) في تاريخه أنّ المهدي كتب إلى القرامطة: «وأنا أحلف، أيّها المؤمنون، بأجلّ ما يحلف به، أنّ فيما تلقّيته ممّا أطلعنا الله عليه من غيبه الذي استأثر به وآثر بعلمه أولياءه الذين فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: ٣٨]، أنّه لا بدّ أن تحلّ ولا يتنا بخضراء بني أميّة بالشام وزوراء بني العبّاس بالعراق، ويكون لنا من الخلفاء مثل ما كان لبني أميّة في العدد». (قال) فقد والله كان جميع ما ذكره.

ووقّع المهديّ لقاضي قضاته [ابن] أبي المنهال، وقد أعاده إلى القضاء بعد عزله: إنّما عزلتك للينك ومهانتك، ورددتك لدينك وأمانتك.

وكتب عبيد الله إلى سعيد بن صالح بن سعيد بن إدريس بن صالح بن منصور صاحب مدينتي نكور وتمسيامان من بلاد المغرب يدعوه لطاعته، وكتب في أسفل كتابه [الطويل]:

فإن تستقيموا أستقم لصلاحكم ... وإن تعدلوا عنّي أر قتلكم عدلا

وأعلو بسيفي قاهرا لسيوفكم ... وأدخلها عفوا وأملؤها قتلا (١*)

١٥٢٩ - أبو نصر السجزيّ [- ٤٤٤] (٢*)

[٢٢٥ ب] عبيد [الله] بن سعيد بن حاتم بن أحمد بن محمد بن علويّة بن سهل بن عيسى بن طلحة، أبو نصر، الوائليّ، من بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، السجستاني، السجزيّ.

أحد الحفّاظ المتقنين. سمع بخراسان ومكّة ومصر والبصرة والعراق الكثير.


(١) القرطيّ (ت ٥٦٧): «نسبة إلى القرط الذي تأكله الدوابّ» أبو عبد الله محمد بن سعد: مؤرخ مصري عاش في زمن العاضد الفاطميّ. وألّف «تاريخ مصر» بين سنتي ٥٥٨ و ٥٦٤. انظر: ابن سعيد المغربي: المغرب (قسم مصر، ٢٦٧) والنجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة، ٢٢ هامش ٢.
(١*) البيتان في البيان المغرب لابن عذاري ١/ ١٧٨ مع جواب أهل نكور.
هذا، وترجمة المهديّ مطوّلة لأنّ المقريزي أثقلها بما خاض فيه من قضيّة النسب الفاطميّ، وبالنقول الكثيرة من الطاعنين فيه والمصدّقين له. وهو إلى الشكّ في صحّة نسبهم أميل إلّا أنّه لم يجسر على التكذيب، تأثّرا بموقف أستاذه ابن خلدون كما يقول.
غير أنّنا نلتمس هنا وهناك شيئا من التحفّظ إزاء الدولة العبيديّة، وبالخصوص عند ما ينقل أخبار الاضطهاد الذي قيل إنهم سلّطوه على أهل السنّة.
وأفادتنا الترجمة ببعض التفاصيل والمعلومات التي سكت عنها بقيّة المؤرّخين: من ذلك وجود «جريدة» للأنساب العلويّة ببغداد هي بمثابة السجلّ الرسميّ الذي يرجع إليه في تثبيت نسب الأشراف أو تفنيده.
ومن ذلك أنّ الأسرة الفاطميّة كلّها، نساء ورجالا، أحياء، وربّما أمواتا، قد غادرت إفريقيّة مع المعزّ.
ومن ذلك أيضا ما نستشفّه من دهاء المهديّ في رفعه من شأن القائد الكتامي غزويه بن يوسف حتى يقابل به نفوذ أبي عبد الله وأخيه، تمهيدا للقضاء عليهما.
(٢*) أعلام النبلاء، ١٧/ ٦٥٤ (٤٤٥) وقال: هو مصنّف «الإبانة الكبرى» في أنّ القرآن غير مخلوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>