للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بتلّ راهط خارج دمشق واجتمع بوزيره سعد الدين وبرشيد الدين، لشغل غازان بشرب الخمر، وحدّثهما في أمر الناس فقالا: لا بدّ من حمل المالللقان.

[تسلّط غازان على أهل الشام]

فعاد، وشرع الناس في جباية المال. وأخذ التتر في حصار القلعة ونصبوا عليها المجانيق بالجامع الأمويّ ونزلوا به وجعلوه حانة خمّار يشربون فيه الخمر ويزنون ويلوطون ويقامرون، ونهبوا ما حوله. فحرق أرجواش ما حول القلعة وهدّمه. فاشتدّ الأمر وغلت الأسعار حتى بلغت غرارة القمح إلى ثلاثمائة درهم [٨٨ ب] وغرارة الشعير إلى ثمانين درهما، والرطل من الخبز إلى درهمين، ومنّ اللحم إلى اثني عشر درهما، ومنّ الزيت إلى ستّة دراهم، وبلغ البيض كلّ أربع بيضات بدرهم. واشتغل الناس بما فرض عليهم من المال، ووكّل بكلّ طائفة قوم من المغل فبالغوا في عقوبات الناس بالضرب والعصر ونحوه.

وعظم النهب والقتل بالقرى حتى قيل إنّه قتل من الأجناد والفلّاحين نحو مائة ألف إنسان. وحمل إلى غازان من المدينة ثلاثة آلاف ألف وستّمائة ألف درهم فضّة، سوى السلاح، والثياب، والدوابّ، والغلال، وسوى ما نهبه التتار. وأخذ الأصيل ابن نصير الطوسيّ منجّم غازان وناظر الأوقات عن معلوم النظر مائتي ألف درهم، وأخذ الصفيّ السنجاريّ متولّي الاستخراج لنفسه مائة ألف درهم، وأخذ شيخ الشيوخ نظام الدين محمود بن عليّ الشيبانيّ على جهة البرطيل نحو الثلاثين ألف دينار، وأخذ لقبجق وأمراء المغل جملة كثيرة جدّا. وحمل لغازان مرتّبه في كلّ يوم وهو بجملة وافرة.

[[عملاء غازان على الشام]]

فلمّا انتهى ذلك وتقرّر الأمير قبجق في نيابة دمشق، والأمير بكتمر السلاح دار في نيابة حلب وحماة وحمص، والأمير البكي في نيابة صفد وطرابلس والساحل، وأقيم مع كلّ منهم جماعة من المغل، وجعل المقدّم على الجميع قطلوشاه في عشرين ألفا لحماية الشام، رحل غازان في يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى. فنهب التتر مدينة دمشق ولجّوا في حصار القلعة فلم يقدروا منها على شيء، إلى أن رحل غازان في ثاني عشر جمادى الأولى، وترك بدمشق الأمير قبجق، والأمير بكتمر السلاح دار، والأمير فارس الدين البكي، ومعهم قلطوشاه في عشرين ألفا من التتر، فما زال قبجق بقلطوشاه حتّى رحل عن دمشق إلى حلب في ثاني عشرينه، ودبّر قبجق أمر دمشق.

وأمّا السلطان، فإنّه منذ وقعت الكسرة سار، ومعه الأميران زين الدين قراجا وبكتمر الحساميّ أمير أخور في نفر يسير من خواصّه إلى مصر.

فقدم قلعة الجبل يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الآخر.

وبالغ الأمير بكتمر في خدمته بنفسه وماله. وقدمت العساكر شيئا بعد شيء إلى القاهرة وهم بأسوإ حال، فوقع الاهتمام بأمرهم وأخرجت الأموال ففرّقت فيهم. وكثر الصراخ في دور من قتل.

[[الاستعداد للوقعة الثانية مع التتار]]

واهتمّ الأمراء بالتجهيز للسفر وجمع المال للنفقة على العساكر. وكتب إلى الأعمال القبليّة والبحريّة بطلب الخيول والجمال [٨٩ أ] والسيوف والرماح، فبلغ ثمن الفرس ثلاثة أمثاله. وانتهت قيمة آلات الحرب ونحوها إلى عشرة أمثالها.

ونودي بحضور الأجناد البطّالين فحضر كثير من أرباب الصنائع، وكتبت أسماؤهم، وفرّق على

<<  <  ج: ص:  >  >>