للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مجالسه وقد شرع في كلام ما كمّله، وأخذ في قول ما أتمّه، فقام ابن الكاتب المالكيّ وقطع عليه الكلام وأخذ في الإنكار عليه، وقام معه أناس قلائل، وهمّ بهم السواد الأعظم حتّى كادوا يثبون بهم. ثمّ حجز بين الفريقين. ورفع ابن الكاتب القضيّة إلى الحكّام، وكان كلاما يقتضي قبل تمامه ما أوقد حميّة بعض الحكّام عليه، فتحدّث مع البقيّة (١). ثمّ حدّثوا السلطان فيه فاستشاط غضبا وأمرهم فيه بأمر كاد [٨٦ ب] فارطه لا يستدرك.

فقيّض له من بلغ السلطان القضيّة وأوصل إليه الخبر على جليّته، وعرّفه بمكانة الشيخ وما هو عليه من العلم والدّين، فسخّره الله له وقلب تلهّب غيظه عليه بردا وسلاما، وبعث إلى الحكّام بالتمهّل في أمره. ثمّ طلبه السلطان وادّعى عليه لديه، وسأله عمّا قال فاعترف. فحكم بصحّة إسلامه وقبول توبته وإبقائه على ماله وزوجته وعدالته ومناصبه بعد استيفاء الشرائط الشرعيّة وفعل كلّ ما يجب شرعا. ثمّ عقد له مجلس بالمدرسة الصالحيّة عند قاضي القضاة جلال الدين القزوينيّ فطلبه، فنزل من القلعة إليه والناس حوله، وقد ملأ سواد الناس ما بين القلعة والمدرسة. فلمّا حضر مجلس الحكم العزيز ادّعى عليه، فأجاب بما حكم به السلطان وأوصل حكم السلطان بالقاضي القزوينيّ، وحكم حكما آخر مستقلّا للشيخ بمثل ذلك. وامتنع من الكلام في المجالس العامّة، ثمّ تكلّم. وهو رجل قد جمع الله عليه القلوب، وجمع له من أشتات ما لا هو في ظنّ ظانّ. هذا إلى حسن الشكل، وتنوير الوجه والصورة، وجمال الذات والهيئة، وجودة الخطّ وحسن اللفظ وبراعة اللسن وكرم النفس وجميل السجايا، فآها على دهر فرّق بيننا وبينه، وزمان

أبعد المدى عنه! وله نظر ثاقب في الأدب ونظم بديع. انتهى.

١٧٧٠ - أبو جعفر البخاريّ [- ٤٨٢] (٢)

[٨٨ ب] محمد بن أحمد بن عبيد، أبو جعفر، البخاريّ، الحنفيّ.

قرأ بما وراء النهر على أبي إسحاق النّوقديّ، وأبي عبد الله محمد بن يحيى البكرآباذيّ. وقدم الشام فولي قضاء حلب. وبعث به أنوشتكين الدزبري (٣) صاحب حلب رسولا إلى ما وراء النهر ومعه مال عظيم، ليبني له مدارس ومساجد وقناطر، ويصل أهلا له هناك: فإنّه خرج من عندهم مملوكا فقيرا، فأراد أن يعرّفهم أنّه صار ملكا بالشام.

فوصل أبو جعفر إليهم فحبسوه وقالوا: جئتنا في رسائل الإسماعيليّة. وبقي في حبسهم سنين، حتّى أطلق بسبب طريف: وهو أنّ الخان كتب إلى السلطان ألب أرسلان يعنّفه على نهب العساكر ببلاد خراسان وكثرة عيثهم بها، فأجابه بالاعتذار والتبرّي من هذه الأفعال، وأنّه ودّ أنّه لو مات ولم يكن ذاك، وعادة العسكر إذا طرقوا البلاد أن يفعلوا الأفاعيل حتى تستقيم الأمور، ولكن ما عذركم في رجل فقيه أتاكم من بلاد بعيدة برسالة رجل منكم قال لكم: إنّي حصلت الأموال وأريد أن أصرفها في الطاعات وأن أعمّر جوامعكم ومدارسكم وأتصدّق على فقراء عرفتهم عندكم، فأخذتم المال وحبستموه؟

فلمّا وقف الخان على الكتاب- وكان أبوه الذي


(١) أو: مع الفقيه.
(٢) الجواهر المضيّة (طبقات الحنفيّة لابن أبي الوفاء ج ٣/ ٤٤ (١١٧٩)).
(٣) الدزبريّ: انظر ترجمته رقم ٨٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>