للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعجبه حسن قراءتي وإعرابي، فيقول لي: بالله يا فتى، زد! حتّى قرأته في أيّام يسيرة. ثمّ أقمت بالمدينة إلى أن توفّي مالك بن أنس.

[ترحيله من اليمن إلى بغداد بتهمة التشيّع]

ثمّ خرجت إلى اليمن وأقمت بها، وارتفع لي بها الشأن. وكان بها وال من قبل هارون الرشيد، وكان ظلوما غشوما، فكنت ربّما آخذ على يده وأمنعه من الظلم. وكان باليمن شيعة من العلويّة قد تحرّكوا. فكتب والي هارون إلى هارون: إنّ هنا شيعة من العلويّة قد تحرّكوا، وإنّي أخاف أن يخرجوا، وههنا [١٢٣ أ] رجل من ولد شافع بن عبد المطّلب لا أمر لي معه ولا نهي.

فكتب إليه هارون أن احمل هؤلاء واحمل الشافعيّ معهم! (قال): فاقترنت معهم، فلمّا أن قدمنا على هارون- قال الشافعيّ: فحدّثني بعض أصحابنا من أهل العلم عن محمد بن زياد المدنيّ، وكان نديم مجلس هارون، فقال: كنت جالسا عند هارون حين أدخل عليه الطالبيّون والشافعيّ، وعنده محمد بن الحسن. فدعا هارون بالنطع والسيف لضرب رقاب العلويّة. (قال): ثمّ التفت محمد بن الحسن فقال: يا أمير المؤمنين، هذا المطّلبيّ لا يغلبنّك بفصاحته ولسانه، فإنّه رجل لسن.

(قال): فقلت: يا أمير المؤمنين، فإنّك الداعي، وأنا المجيب الدعاء، إنّك القادر على ما تريد منّي، ولست القادر على ما أريد منك، يا أمير المؤمنين، ما تقول في رجلين، أحدهما يراني أخاه، والآخر يراني عبده، أيّهما أحبّ إليّ؟

قال: الذي يراك أخاه.

قلت: كذلك أنت يا أمير المؤمنين.

فقال: كيف ذلك؟

قلت: يا أمير المؤمنين، إنّكم ولد العبّاس، ونحن بنو المطّلب، تروننا إخوانكم. وولد عليّ هم يروننا عبيدهم.

(قال): فسرّي عليه ما كان به، واستوى جالسا وقال: يا ابن إدريس، كيف علمك بالقرآن؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، عن أيّ علومه تسألني؟

عن حفظه؟ فقد حفظته ووعيته في جنبيّ، وعرفت وقفه وابتداءه، ومكيّه ومدنيّه، وكوفيّه وبصريّه، وقد عرفت ناسخه ومنسوخه، وليليه ونهاريّة، ووحشيّه وإنسيّة، وسهليّة وجبليّه، وما خوطب من العامّ يريد به الخاصّ، وما خوطب من الخاصّ يريد به العامّ.

فقال: والله يا ابن إدريس، لقد ادّعيت، فكيف علمك بالنجوم؟

فقلت: إنّي لأعرف منها ما أهتدي به في برّي وبحري، وما أستدلّ به على أوقات صلواتي في كلّ ممسى ومصبح.

قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟

فقلت: إنّي لأعرف أنساب اللئام، وأنساب الكرام، ونسبي ونسب أمير المؤمنين.

فقال: والله لقد ادّعيت علما، فهل من موعظة تعظ بها؟

فذكرت موعظة لطاوس اليمنيّ، فوعظته بها فبكى. ثمّ أمر لي بخمسين ألفا، وحملت على فرس، وركبت بين يديه وخرجت، فما وصلت الباب حتّى فرّقت الخمسين ألفا على حجبة أمير المؤمنين وبوّابيه.

فلحقني هرثمة بن أعين- وكان صاحب هارون- بعشرين ألفا، فقال: خذ هذه واقبلها منّي!

فقلت له: إنّي لا آخذ العطيّة [١٢٣ ب] ممّن هو دوني، وإنّما آخذها ممّن هو فوقي (١).

(قال): فوجد في نفسه، وخرجت كما أنا حتّى


(١) في المخطوط: وأنا آخذها، ولعلّها: وإن أخذها فإنما ..

<<  <  ج: ص:  >  >>