للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على خطّة عظيمة. ولو استوفيت نومي لما كان في دور هذا البلد أحد نائما.

وقال مرّة لأحمد بن أيمن: اطلب لي رجلا صادق اللهجة، ذكيّ الروح، صحيح التمييز.

(قال): فأحضرته فتى من أبناء الكتّاب فأسرّ إلى الخادم بما لا أعلمه، وانصرفت. وخفي عنّي خبر الرجل حتى مضى شهر. فجاءني مسلّما عليّ وقال لي: أنت مع رجل بعيد الغور لطيف الحسّ.

فسألته عن خبره فقال لي: لم يشافهني ولم يكلّمني بحرف حتى بعث بي إلى المطبق. فدخلته حائرا. واجتمع عليّ من في الحبس من الكتّاب والقوّاد وقالوا: ما خبرك؟

فقلت: والله ما لي سبب.

فأكذبني بعضهم. وصدّقني آخرون، لشدّة انحرافهم عن الأمير. ثمّ أخرجني وأجلس رجلا من ثقاته خلفي وأمره أن يكتب كلّ ما أتكلّم به.

وسألني عمّا قال رجل من المحبسين عند دخولي، وأنا أصدقه، فلم يدع شيئا يحتاج إلى علمه إلّا سألني عنه، وأجبته بحقيقة. ثمّ أخذ الذي كتبه ثقته وأعاد سؤالي ونظر إلى الكتاب فأجبته بذلك الجواب بعينه. فلمّا رأى اتّفاق القولين دفع إليّ مائتي دينار، وصرفني إلى منزلي. وو الله ما طلب إلّا أن أكون له صاحب خبر من حيث لا أعلم.

وكان أحمد يخلو في دير القصير (١) لإعمال رأيه، ويأنس براهب فيه كان حسن العقل يقال له أبو ندونة. فشكا إليه مرّة رهبان الدّير من ابن المدبّر لمّا كان يتقلّد الخراج أنّه يطالبهم بجزية رءوسهم، وكانت أسقطت عن الرهبان. فكتب إليه بإعفائهم، ثمّ قال لهم: لا تجعلوا توقيعي هذا مثل السيف الذي يصول به صاحبه، ولكن

استعملوا المداراة والاستكانة في إيصاله.

وأظهروه بعد ذلك!

فبلغ ابن المدبّر أنهم قد لقوا أحمد بن طولون، فما أحوجهم إلى إظهار التوقيع.

وكان قد أقام عدّة من أصحاب الأخبار يرفعون إليه رقاعا تكون سببا لاستصفاء نعم الناس وقتلهم. فكان أحمد إذا رفعت إليه الرقعة الشنيعة حفظ معناها وتقدّم بإبادة من رفعت فيه، ثمّ يأمر نسيم الخادم بتحريقها ولا يثق بغيره في ذلك.

فسعى أصحاب الأخبار في إفساد منزلته عنده لأنّه كان حربا لهم، وإذا رأى أحدا منهم لعنه جهارا. وصاروا يكتبون المرافعة في رقعتين متشابهتين، فإذا رفعوا واحدة وعلموا أنّ نسيما قد حرقها، رجعوا إليه بالأخرى وقالوا: «كيف لم تحرق هذه؟ » ويوهمو [ن] هـ أنّه أغفلها ليتقرّب بها إلى من رفعت فيه. وأحضروا منها رقعة إلى أحمد [٩٤ أ] بن طولون فخاف نسيم وحلف لأحمد بن طولون في خلوة أنّه ما أغفل تحريق رقعة يأمره بتحريقها، ولكنّ هؤلاء القوم يحتالون في إسقاط منزلتي منك. فقال أحمد: قد علمت أنّها حيلة منهم عليك لأنّ لي في الرقاع التي آمر بتحريقها علامة: وهو إدخال سبّابة يميني فيها حتى ينخسف موضع منها أعرفه. ولم أدفع إليك هذه الرقعة قطّ لأنها سليمة من علامتي. وصناعتهم رديئة، وليس يصلح لها إلّا شرار [الناس] ولا ينفذ فيها خيّر (٢).

وأقام أيضا رجلا يتبع من هرب ويفتّش عمّا استصعب وجوده، وكان يجد في ذلك أكثر ما يريد.

[[مثال من دهائه]]

وكتب إليه طيفور خليفته بالحضرة: إنّ رجلا


(١) قرب شهران بجهة حلوان (سيرة ١١٨ هامش ١).
(٢) قراءة ظنّية.

<<  <  ج: ص:  >  >>