إليه برذونين، ثم اتركه مدّة وادفع إليه برذونين!
فضحك أحمد وأطلق له مؤونة البراذين.
وكان يركب بنفسه في كلّ جمعة ويتفقّد خزائن المارستان وما فيها والأطبّاء وينظر في المرضى وسائر الأعلّاء والمحبوسين من المجانين.
[[فراسته]]
وكانت له فراسة صادقة. منها أنّه رأى رجلا في جملة النّاس فقال: ائتوني بهذا!
فأتي به فقال: أنت جاسوس! - وأمر بتقريره فأقرّ فساقه إلى السجن. فسئل: كيف عرفته؟
فقال: رأيته متّكئا وقد تدلّى من مئزره تكّة حرير أرمنيّ- ففتّشوه فوجدوه كما قال.
ونظر مرّة في البنّائين وقال: ائتوني بذلك!
فلمّا جاءه قال: أنت جاسوس!
فأنكر فعاقبه فأقرّ. فقيل: بم عرفته أيّها الأمير؟
قال: كلّما حمل قصريّة جير عاد إلى الماء وغسل يديه، فعلمت أنّه متصنّع وأنّ هذا ليس من عمله.
ولمّا بنى الجامع رأى الصنّاع يبنون إلى العشاء، وكان في شهر رمضان. فقال: [متى] يشتري هؤلاء إفطارهم لأنفسهم ولعيالهم وأولادهم؟ - وأمر بانصرافهم من وقت العصر.
فلمّا انقضى شهر رمضان، قيل له: قد انقضى الصوم، ويعودون إلى رسمهم من العمل إلى المغرب.
فقال: قد بلغني دعاؤهم وتبرّكت به. وليس هذا ممّا يوفّر علينا شيئا.
وصار هذا سنّة من بعده لمصر.
ولمّا فرغ من بناء الجامع تقرّب الناس إليه بالصلاة فيه. فصلّى فيه بكّار بن قتيبة القاضي.
وعمل الربيع بن سليمان بابا فيما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم من قوله: من بنى مسجدا، ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتا في الجنّة.
فلمّا كان أوّل جمعة صلّاها أحمد بن طولون فيه وفرغت الصلاة، جلس الربيع خارج المقصورة، وقام المستملي بين يديه، وفتح باب المقصورة، وأحمد بن طولون جالس، وغلمانه قيام وسائر الحجّاب حتّى فرغ المجلس. فتقدّم إلى الربيع غلام بكيس فيه ألف دينار وقال: يقول لك الأمير: نفعك الله بما علّمك! وهذه لابنك أبي طاهر.
[مواجهته للموفّق]:
وكان قد زاد البعد فيما بينه وبين أبي أحمد طلحة الموفّق بالله: وذلك أنّ أمير المؤمنين المعتمد على الله أبا العبّاس أحمد ابن المتوكّل جعل أخاه الموفّق وليّ عهده من بعد المفوّض لله ابن المعتمد. وجعل غرب المملكة للمفوّض وشرقها للموفّق، وحلّفهما على ذلك. وكان الموفّق يحسد أخاه المعتمد ولا يراه أهلا للخلافة.
فشقّ عليه تقديم المفوّض في العهد. وتشاغل المعتمد بكثرة اللعب حتّى اختلّت المملكة وانفرد كلّ عامل بما يتقلّده.
وكان فيما كتب بين الموفّق والمفوّض أنّه ما حدث في عمل كلّ منهما من حدث كانت النفقة عليه من مال الخراج قسمة. فاستخلف المفوّض على قسمه موسى بن بغا. وانفرد الموفّق بقسمه.
وتقدّم إلى كلّ منهما ألّا ينظر في عمل صاحبه [٩١ أ]. وأفرد الموفّق لمحاربة [عليّ بن محمّد] صاحب الزنج [المعروف بعلويّ البصرة] وأخرج لمحاربته. فلمّا كبر أمره وطالت مدّة محاربته انقطع [ت] موادّ [خراج] الشرق عن الموفّق، وتقاعد الناس عن حمل المال. فدعت الضرورة