للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقضى أوقاته ما بين قصف وصيد. ومع ذلك فما [٢١٣ أ] كان يخلّ بالجلوس للنظر في المصالح، وتفقّد أحوال الرعيّة، وتحصين الحصون وملء كلّ ثغر بما يحتاج إليه، وترتيب رجاله وتفقّد أحواله، وإدرار النفقات عليهم، وادّخار السلاح وما يحتاج إليه، ولا يزال يتفقّد هذا بنفسه، وقصّاده لا تنقطع من بلاد العدوّ فتأتيه بجميع أحوالهم، إلّا أنه كان يسمع كلام كلّ قائل ويكمن ذلك في نفسه من غير أن يحرّك فيه ساكنا.

وكان واسع السماط كثير الانشراح عليه، مع كرم النفس، إلّا أنّه كان قليل ذات اليد، فلذلك قلّ عطاؤه. ويقال إنه أكثر ما ملك سبعة آلاف دينار.

وكان خيّرا عديم الشرّ والأذى، يكره الظلم، ويوصف بالحلم والتؤدة، لم يسفك قطّ دما إلّا بطريق شرعيّ.

وكان يعاشر جماعة من أهل العلم والأدب، مثل الشيخ صدر الدين محمد ابن المرحّل (١)، وبدر الدين [ ... ] ابن العطّار. وكان أهل دمشق يحبّونه محبّة زائدة ونقشوا رنكه (٢) على طرزهم وآلاتهم حتى نقشته النساء الخواطئ (٣) على فروجهنّ.

ونظم فيه الأدباء عدّة أشعار. وكتب إليه الصدر ابن المرحّل وهو بصرخد هذه الأبيات، وبعثها مع هديّة [الطويل]:

أيا جيرة بالقصر كان لكم مغنى ... رحلتم، فعاد القصر لفظا بلا معنى

وأظلم لمّا غاب نور جماله ... وقد كان من شمس الضّحى نوره أسنى (٤)

فلا تحسبوا أنّ الديار وطيبها ... زمانكم، لا والذي أذهب الحسنا

لقد كانت الدنيا بكم في غضارة ... ونعمى، فأعمى الله عينا أصابتنا

ولا رقّت الآصال إلّا صبابة ... ولا حرّكت ريح الصّبا طربا غصنا

يعزّ عليهم بعد داري عنهم ... وقد كنت منهم قاب قوسين أو أدنى (٥)

وأنّي ألاقي ما لقيت من الذي ... لقلبي قد أصمى وجسمي قد أضنى

لقد كنتم يا جيرة الحيّ رحمة ... أياديكم تمحو الإساءة بالحسنى

فوافته الهديّة والأبيات، وكانت فاكهة، وقد خرج إلى الصيد وليس مع خازن داره سوى ألف درهم، فقال: هذا القدر ما يكفي الشيخ صدر الدين، يا صبيان، أقرضوني حوائصكم! - فأخذ من مماليكه عشرين حياصة وبعثها إليه مع الألف وقال لقاصده: سلّم على الشيخ وقل له [وافر]:

على قدر الكساء مددت رجلي ... وإن طال الكساء مددت زادة

٨١١ - آقوش الشريفيّ [- ٧٠٠] (٦)

آقوش الشريفيّ، الأمير جمال الدين، أحد المماليك الصالحيّة النجميّة. [ترقّى في الخدم] واستقرّ أمير جندار. فلمّا ملك قلاوون أخرجه من


(١) ابن المرحّل- وابن الوكيل- محمد بن عمر، له ترجمة في المقفّى ج ٦/ ٤٣٥ رقم ٢٩٣٠ (ت ٧١٦).
(٢) الرّنك: شعار الأمير يرسم على رايته وسلاحه.
(٣) في تحفة ذوي الألباب ٢/ ٢١٤: الخواطئ (أي البغايا) والكلمة عند ابن كثير ١٤/ ٩٩: وزوّج الخواطئ وأراق الخمور ففرح المسلمون بذلك.
(٤) في المخطوط: غاب نوره، والتصويب من أعيان العصر والوافي.
(٥) في المخطوط وفي الأعيان: منها.
(٦) الوافي ٩/ ٣٢٤ (٤٢٦١)؛ السلوك ١/ ٩١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>