للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فامتدّت أيدي العامّة، وهدموا عدّة كنائس بفتوى الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد بن الرفعة. وجمع القضاة والفقهاء للنظر في ذلك، فصرّح ابن الرفعة بوجوب هدمها، وامتنع ابن دقيق العيد من [٣١٢ ب] الفتوى بهدمها، ووافقه الفقهاء على ذلك. فغلّقت الكنائس بإقليم مصر مدّة سنة حتى بعث الأشكري (١) متملّك القسطنطينيّة يشفع في فتحها ففتحت عدّة كنائس حينئذ. واستمرّ النصارى بسائر المملكة من دمقلة ببلاد النوبة إلى الفرات يلبسون العمائم الزرق واليهود يلبسون العمائم الصفر، ولا يركب أحد منهم فرسا ولا بغلة. وهم على هذا إلى اليوم.

ثمّ خرج من القاهرة هو والأمير سلّار وأكثر الأمراء للنصف من ربيع الأوّل سنة إحدى وسبعمائة إلى الصعيد، وكانت واقعة العرب كما ذكرت في ترجمة الملك الناصر محمد بن قلاوون، وعاد.

فخرج حاجّا في أوّل ذي القعدة سنة إحدى وسبعمائة، ومعه ثلاثون أميرا، فدخل مكّة، شرّفها الله تعالى. وقبض على الشريفين رميثة وحميضة ابني أبي نمّي وحملهما إلى القاهرة، وأقام في إمارة مكّة أخويهما عطيفة وأبا الغيث، وقدم إلى القاهرة أوّل يوم من المحرّم سنة اثنتي [ن] وسبعمائة، ومعه الشريفان مقيّدين، فسجنهما.

[[مشاركته في وقعة شقحب]]

ثم سار إلى دمشق في ثامن رجب سنة اثنتين

وسبعمائة، ومعه من الأمراء طغريل الإيغانيّ، وكراي المنصوريّ، وبيبرس الدوادار، وسنقر شاه، ولاجين الروميّ، بمصافّهم (٢)، وثلاثة آلاف من الأجناد. وذلك لأنّ غازان نازل قلعة الرحبة، وبها علم الدين سنجر الغتميّ، فلاطفه مدّة حتى رحل عنه عائدا إلى بلاده، وجهّز ثمانين ألفا مع قطلو شاه أحد عظماء دولته إلى الشام. فدخل بيبرس دمشق في نصف شعبان، وكتب يستحثّ السلطان على القدوم إليه. فخرج ببقيّة العسكر من قلعة الجبل حتى وافى ظاهر دمشق، فكانت وقعة شقحب (٣) التي انهزمت فيها جيوش التتار وقتل أكثرهم، وأبلى بيبرس فيها بلاء عظيما وقاتل بنفسه قتالا مشهورا، هو وسلّار، إلى أن كشف الله بهما التتار وهزمها، كما ذكر في ترجمة الناصر محمد بن قلاوون. وعاد معه إلى قلعة الجبل في شوّال.

فندب زوج ابنته الأمير برلغي إلى الحجاز، وبعثه أمير الركب، وجهّز معه الكتب إلى الشريفين أبي الغيث وعطيفة أميري مكّة [٢٧١ ب] بأن لا يؤذّن في الحرم بحيّ على خير العمل، ولا يتقدّم بالحرم إمام زيديّ يؤمّ بالزيديّة في الصلوات الخمس، وأن تترك البدع التي أحدثت في جوف الكعبة، وهي أنّهم زعموا أنّ بها شيئا سمّوه:

«العروة الوثقى»، وكان الحاجّ يقاسي في صعوده إلى الكعبة حتى يمسك هذه العروة أمورا شديدة، وتنكشف فيها عورات النساء. وأحدثوا أيضا مسمارا بالكعبة (٤)، فيجد الناس في مسّه ألما


(١) الأشكري لقب أباطرة بيزنطة منذ القرن السابع هجري/ الثالث عشر ميلادي وهو محرّف عن اسم أوّل امبراطور بعد استيلاء الصليبيّين على القسطنطينيّة، وكان اسمه تيودور لاسكاريس) Lascaris عن السلوك ١/ ١٧٩ هامش ٢). وانظر قاموس روبار الأعلام تحت هذا الاسم.
(٢) المصافّ مفاعل من صافّ العساكر أي رتّبهم للحرب.
(٣) وقعة شقحب في رمضان ٧٠٢. وانظر تفاصيلها في السلوك ١/ ٩٣٠ وما يليها.
(٤) شرح ابن حجر في الدرر ١/ ٥٠٣ أمر المسمار، فقال:
ولمّا حجّ بيبرس قلع المسمار الذي في وسط الكعبة، وكان العوامّ يسمّونه «سرّة الدنيا». ينبطح الواحد منهم-

<<  <  ج: ص:  >  >>