للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ستّين ألفا تجري عليهم أرزاقه بمكّة في كلّ سنة من القمح والدقيق والدراهم. وكان يجري في مصر من الدقيق في كلّ شهر مائة ألف رطل لحاشيته وأهل الستر وذوي الأقدار من أهل البلد، ومن الغرباء، سوى ما يفرّقه عليهم من المال والكسوة وعلف الدوابّ، وكراء منازلهم في مدّة اشتغاله وفي أوقات عطلته عن الخدمة.

وأعتق مائة ألف عبد، وأقام نحوا من أربعين سنة يصوم الدهر كلّه. وكانت له تربة فيها أولاده وأهله، وكان لحسن عهده يركب إليها في كلّ يوم مرّتين غدوة وعشيّة، ويقف له الموكب حتى يخرج سواء كان متقلّدا للوزارة أو مصروفا عنها، فيترحّم ويقرأ ما يريد من القرآن ويركب إلى المساجد التي في الصحراء، فيصلّي كلّ يوم بالغداة ويرجعون معه.

وكان معتدل الكتابة ليس له حظّ من البلاغة ولا من العربيّة، إلّا أنّه كان إذا كتب إلى الخليفة ومن دونه كتب على البديهة من غير نسخة، فيخرج كتابه سليما من اللحن.

[[بعض صفاته]]

وكان عجولا إلى الغاية، لا يراجع فيما يريده، ولو كان ما عسى أن [١٠٩ ب] يكون. ولمّا أراد المقتدر بالله أن يقيم وزيرا، كتب له أسماء جماعة، وأنفذت الرقعة إلى علي بن عيسى بن الجرّاح ليشير بواحد منهم، وكان فيهم اسم محمد بن عليّ الماذرائيّ. فكتب تحت اسم كلّ واحد منهم ما يستحقّه من الوصف، وكتب تحت محمد بن عليّ مترف عجول.

ومن ترفه أنّه حجّ في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وهي سنة أبي سعيد الجنّابيّ القرمطيّ، التي نهب فيها الحاجّ وقتلهم، فذهب فيها لمحمّد بن عليّ شيء كثير جدّا، منه مائتا قميص سلف (١)، كل قميص خمسون دينارا.

وكان تامّ الإقبال في جميع أحواله من ولاياته وعطلته. وقال مرّة، وهو متعطّل: أخذ منّي محمد بن طغج، عينا وعروضا، ما يبلغ زيادة على ثمانين ويبة دنانير.

فاستعظم ذلك من حضر. فقال ابنه أبو عليّ محمد: الذي أخذ منه أكثر، وأنا أوقفه عليه. ثمّ قال: يا مولاي، أليس نكبت ثلاثا؟

قال: نعم.

قال: أليست أخذت ضياعك التي بالشام؟

قال: نعم.

قال: كم ثمنها.

قال: ألف ألف دينار.

قال: وضياعك بمصر والصعيد قريب من هذا؟

وعروض كذا، وعروض كذا: يكون جميع [هـ] ثلاثة آلاف ألف دينار؟

قال: نعم.

فأمر بعض الحسّاب بتحريره، فبلغ زيادة على ثلاثين إردبّا دنانير.

[طريقة في التداوي]

وبلغ من إقباله أنّه ما كان يشرب دواء قطّ، ولكنّه تعرض له في كلّ سنة هيضة تغنيه عن تعاطي المسهل. وكانت عنده اهليلجة (٢) تملأ الكفّ، يمسكها بيده في كلّ فصل من فصول السنة فتجيبه الطبيعة ويستغني عن أخذ الدواء، وما زالت عنده إلى أن فقدت في بعض نكباته، فكان بعد فقدها


(١) لم نعرف القميص السلف.
(٢) الهيضة: الإسهال. والإهليلج: شجر يحرّك ثمره الأمعاء والطبيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>