للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كثيرا. ثمّ جاء به فباعه واشترى به ناطفا (١) ثمّ جاء به إلى أصحابه فقال: كلوا! كأنّكم تأكلون في دهن.

وعن أبي شعيب قال: سألت إبراهيم بن أدهم أن أصحبه إلى مكّة فقال: على شريطة: على أنّك لا تنظر إلّا لله وبالله.

فشرطت له ذلك على نفسي فخرجت معه.

فبينا نحن في الطّواف إذا أنا بغلام قد افتتن الناس به لحسنه وجماله. فجعل إبراهيم يديم النظر إليه.

فلمّا أطال ذلك قلت: يا أبا إسحاق، أليس شرطت عليّ أن لا انظر إلّا لله وبالله؟

قال: بلى.

قلت: أراك تديم النظر إلى هذا الغلام؟

فقال: إن هذا ابني وولدي، وهؤلاء غلماني وخدمي الذين معه، ولولا شيء لقبّلته، ولكن انطلق، فسلّم عليه منّي وعانقه عنّي.

(قال) فمضيت إليه وسلّمت عليه من والده وعانقته. فجاء إلى والده فسلّم عليه، ثمّ صرفه مع الخدم. فقال: ارجع! انتظر إيش يراد بك. وأنشأ يقول [الوافر]:

هجرت الخلق طرّا في رضاك ... وأيتمت العيال لكي أراك

ولو قطّعتني في الحبّ إربا ... لما حنّ الفؤاد إلى سواك

وأهدى إليه رجل سلّة تين عند غروب الشمس، فقسمه على جيرانه وعلى الفقراء. فقال له بعض أصحابه: ألا تدع لنا شيئا؟

قال: ألستم صوّما؟

قالوا: بلى.

قال: سبحان الله! أما لكم حياء؟ أما لكم أمانة؟

أما تخافون من الله العقوبة بسوء ظنّكم بالله، وطول الأمل إلى السّماء؟ ثقوا بالله، وأحسنوا الظنّ بما وعد الله، فإنّ الله يقول: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [النحل: ٩٦]

[[كرمه وطيب نفسه]]

وقال حوّاري بن حوّاري: كان إبراهيم بن أدهم يتألّف الناس بأخلاقهم ويأكل معهم، وربّما اتّخذ الشواء، والجوزابات، والخبيص، وطعام الطيب. وربّما خلا هو وأصحابه الذين يأنس إليهم. وكان يعمل عمل الرجلين، وكان إذا أكل وحده أكل الطعام الدّون. وكان كريم النفس، إذا اصطنع إليه إنسان معروفا يحرص على إكرامه، وأكثر ممّا يصنع به.

وقال عصام بن روّاد [بن الجرّاح] عن أبيه:

كنت ليلة مع إبراهيم بن أدهم بالثغر، فأتاه رجل بباكورة. فنظر حوله هل يرى شيئا من رحله يكافئه، فلم ير شيئا. فنظر إلى سرجي فقال: خذ ذلك السرج!

فأخذه الرجل ومضى. فداخلني سرور ما دخلني مثله قطّ حين علمت أنّه صيّر مالي وماله واحدا.

وعن إبراهيم بن بشّار [الصوفيّ الخراساني خادم إبراهيم بن أدهم] قال: أمسينا مع إبراهيم بن أدهم ذات ليلة، وليس معنا شيء نفطر عليه، ولالنا حيلة. فرآني مغتمّا حزينا، فقال: يا إبراهيم بن بشّار، ماذا أنعم الله على الفقراء والمساكين من النعيم والراحة في الدنيا والآخرة، لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة ولا عن حجّ ولا عن صدقة ولا عن صلة رحم، ولا عن مواساة، وإنّما يسأل ويحاسب


(١) الناطف: نوع من الحلوى من عروق العسلوج. وهو أيضا الشمع (دوزي). ولعلّ هذا هو المقصود مع الدهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>