للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من مبلغ الحجّاج أنّ سميره ... قلى كلّ دين غير دين الخوارج؟

رأى الناس، إلّا من رأى مثل رأيهم ... ملاعين ترّاكين قصد المناهج

فأيّ امرئ، أيّ أمري يا ابن يوسف ... ظفرت به لو نلت علم الولائج! (١)

إذن لرأيت الحقّ منه مخالفا ... لرأيك إذ كنت امرءا غير فالج (٢)

٥ فقد كدت لولا الله أمزج بالذي ... به الحقّ من ديني بمذقة مازج

فأقبلت نحو الله بالله واثقا ... وما كربتي غير الإله بفارج

إلى قطريّ في الشراة معائجا ... ولست إلى غير الشراة بعائج

إلى عصبة، أمّا النهار فإنّهم ... هم الأسد أسد الحرب عند التهايج

وأمّا إذا ما الليل جنّ فإنّهم ... قيام كأنواح النساء النواشج

١٠ ينادون بالتحكيم لله إنّهم ... رأوا حكم عمرو كالرياح الهوائج

وحكم ابن قيس مثل ذاك فأعصموا ... بحبل شديد الفتل ليس بناهج (٣)

فطرح الحجّاج الكتاب إلى عنبسة بن سعيد، وقال: هذا من عند سميرنا الشيبانيّ، وهو من الخوارج ولا نعلم به!

ثمّ لمّا قتل المهلّب الخوارج، ومضى قطريّ إلى طبرستان وأتى المهلّب عهده من عبد الملك على خراسان، بعث الحجّاج سفيان بن الأبرد

الكلبيّ إلى قطريّ في أهل الشام وأهل العراق، فسار حتّى قدم الريّ، ثمّ رجع. فلامه الحجّاج، وكتب إليه يشتمه وقال: ألا كنت أخذته؟

فقال سفيان: إنّ أبا محمد- يعني الحجّاج- ما يدع المحسن حتّى يسيء.

ومضى إلى [٣٢٦ أ] قومس وحصر الخوارج ثلاثين شهرا حتّى أكلوا الجيف، وأخذهم عنوة وبعث برءوسهم إلى الحجّاج. وأجلى المهلّب الأزارقة من كرمان بعد فرار قطريّ، وبعث بشير بن مالك بن الحرشي- وقيل: مرّة بن تليد الأزديّ- إلى الحجّاج بكتابه، وكان بشيرا أديبا، له لسان وبيان.

[مع مبعوث من فصحاء أصحاب المهلّب]

فلمّا قدم على الحجّاج برءوس الخوارج، قال له: ما اسمك؟

قال: بشير بن مالك.

قال: بشارة وملك إن شاء الله. كيف تركت المهلّب؟

قال: تركته صالحا، قد نال ما رجا، وأمن ما خاف.

فقال: لله الحمد! كيف كنتم وكيف كان عدوّكم؟

قال: كنّا إذا لقوا عفونا بعفوهم انتصفنا منهم.

وإذا لقينا حدّهم بحدّنا طمعنا فيهم، وكانت لهم البداة ولنا العاقبة.

فقال: صدقت، إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: ٤٩].

ثمّ قال: كيف بنوه؟

قال: كانوا كفاة السرح حتّى يردّوه، وأعباء البيات (٤) حتّى يأمنوه.


(١) الوليجة بطانة الإنسان وخاصّته.
(٢) السهم الفالج: الفائر الغالب.
(٣) عمرو هو عمرو بن العاص، وابن قيس هو أبو موسى الأشعريّ، والناهج هو المستقيم الواضح.
(٤) العقد ٢/ ٨١، والسرح: المال السائم، وأعيان البيات-

<<  <  ج: ص:  >  >>