للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غير ما نهبه العسكر، فإنّه لكثرته صار الواحد من الغلمان ومن الفقراء يبيع الكبش السمين بثلاثة دراهم وبدرهمين، والعنز بدرهم، والرطل السمن بربع درهم. ولم يوجد أحد يشتري الغلال من كثرتها. فلم يعد العسكر إلّا والبلاد خالية، يمشي المسافر فلا يرى بالطريق أحدا، وينزل القرية فلا ينظر إلّا امرأة أو صبيّا صغيرا. وعند ما استقرّ العسكر بالقاهرة، أفرج عن المأسورين لأجل حفظ البلاد. فاتّفق زكاء (١) الغلال بالوجه القبليّ وكثرتها في هذه السنة إلى الغاية.

ثم جهّز الأمير بدر الدين بكتاش الفخريّ أمير سلاح على جيش إلى جهة سيس في شهر رمضان منها [سنة ٧٠١] فحاصروها وغنموا وسبوا.

ورتّب [السلطان] أربعة شوان حربيّة من مصر في المحرّم سنة اثنتين وسبعمائة إلى جزيرة أرواد بالقرب من أنطرسوس تجاه طرابلس، فخرّبوها وأسروا من بها من الفرنج، وعادوا غانمين.

وفي رجب [سنة ٧٠٢] خرجت عساكر مصر من القاهرة إلى لقاء غازان وقد نزل على الفرات، وحاصر الرحبة مدّة. ثمّ عاد وسيّر عساكره صحبة قطلوشاه- من أمرائه- إلى الشام، وكتب إلى الأمير عزّ الدين أيبك الأفرم يدعوه إلى طاعته.

فجفل أهل حلب وحماة إلى دمشق، فهمّ أهلها بالرحيل إلى مصر، فمنع الأفرم من ذلك، وسرّح العساكر إلى حماة، وقد نزلت طائفة من التتر على القريتين (٢)، فأدركهم العسكر وقتلوهم وأسروا منهم عدّة.

[[خروج الناصر للقاء غازان ثانية]]

وخرج السلطان من قلعة الجبل في ثالث شعبان

ومعه الخليفة أبو الربيع سليمان المستكفي بالله ابن الحاكم بالله أحمد بن الحسن في عسكر، واستناب على ديار مصر الأمير عزّ الدين أيبك البغداديّ، فقدم البريد بنزول قطلوشاه على قرون حماة في ثالث عشرينه، فجفل الناس إلى دمشق، ثمّ خافوا مفاجأة العدوّ فنادوا بالرحيل وركبوا يوم السبت أوّل يوم من شهر رمضان [سنة ٧٠٢]، فاضطربت دمشق بأهلها وجدّوا في الرحيل على وجوههم منها، فبلغ ثمن الجمل إلى ألف درهم، وثمن الحمار إلى ستّمائة درهم، وصعد جماعة منهم إلى القلعة، فلم يأت الليل حتى قامت النوادب [٩١ ب] في سائر نواحي البلد. وسار العسكر مخفّا، ووقف بجامع بني أميّة جمع ممّن بقي، يدعون الله طول ليلتهم. فأصبح التتر راحلين من غوطة دمشق.

وبلغ الأمراء موافاة السلطان، فساروا من مرج راهط حتّى لقوه بعقبة الشحّورا (٣) في يوم السبت المذكور. فبينا هم يقبّلون الأرض بين يديه، ورد الخبر بموافاة العدوّ. فلبس العسكر السلاح واتّفق الجميع على اللقاء في الموضع الذي يقال له شقحب (٤) تحت غباغب، فساروا إليه. وكان قطلوشاه قد وقف على أعلى النهر. فوقف السلطان في القلب، وإلى جانبه الخليفة، والأميران بيبرس وسلّار، ومعه من الأمراء عزّ الدين أيبكالخازندار، وسيف الدين بكتمر أمير جندار، وجمال الدين آقوش الأفرم نائب الشام، وبرلغي، وأيبك الحموي، وبكتمر البوبكريّ، وقطلوبك، ونوغاي السلاح دار، وأغرلوا الزينيّ.


(١) الزكاء النمو والزيادة.
(٢) القريتين: من أعمال حمص.
(٣) الشحورا: في جنوب دمشق، وضبطها ناشر السلوك ١/ ٩٣٢ بالجيم.
(٤) تلّ شقحب: في الشمال الغربي من غباغب، قريبا من دمشق.

<<  <  ج: ص:  >  >>