للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لن يصل إلى مواريث الأعمال من سلك على غير السنّة. اتّباع الرسول أحلى في قلوبهم من كلّ لذّة وأرفع عندهم من كلّ حال. العوائد جند من جنود الله المبثوثة. كيف يدعو إلى التأدّب من لم يلابس الآداب، أم كيف يدعو إلى التوحيد من هو محجوب بوجود الأسباب؟

[وقال]: من كان واسطة بين الله وخلقه ينبغي له أن يرعى حقوقهم ولا يهمل أسبابهم.

من أظهر الفاقة لله أخذ بيده.

إذا رأيتم الرجل قد ظهرت عليه خوارق العادات، فلا تلتفتوا إليها، ولكن انظروا كيف هو عند الأمر والنهي.

إذا تعوّد المريد النظر إلى أيدي الخلق لا يجيء منه شيء.

وقال: دخلت على الشيخ أبي محمد عبد الله المغاوريّ فقال لي: أعلّمك شيئا تستعين به: إذا اجتمعت إلى شيء: يا واحد، يا أحد، يا واحد يا جواد، انفحنا منك بنفحة خير إنّك على كلّ شيء قدير. (قال): فأنّا أنفق منها منذ سمعتها.

[[دخوله في الطريقة]]

وكان سبب بدايته أنّه كان خزّازا في بلده أجيرا عند معلّم. (قال): فكنت أرى المعلّم يغيب عن الدكّان ولا أعلم أين يمضي. فسألته يوما عن سبب غيبته فقال: أحضر مجلس [ ... ] أسمع منه الخير.

فقلت له: فهلّا أخذتني يوما معك؟

فأخذني ومضى إليه، فدخلنا عليه، وهو يتحدّث في سبب بدايته أنّه كان ذا مال كثير وعقار، وربّما هجس في نفسه [٥٨ ب] أنّ ماله وسببه هو الذي يرزقه. (قال): فلمت نفسي يوما على هذا الخاطر، وقلت: يا نفس، تعتقدين أنّ الله لا يرزقك، وأنّك ترزقين بمالك وتسبّبك- وقوي عزمي على القعود والخلوة في مغارة كانت عندي في داري، وأن لا أتناول مطعوما ولا مشروبا من مالي، وأقطع آمالي ممّا هو لي حتّى انظر ما يفعل الله بي. (قال): فجلست في المغارة يومين لا آكل ولا أشرب، فلمّا كان في اليوم الثالث استؤذن عليّ لبعض وكلائي، فدخل ومعه باكورة تين من بعض بساتينه، فقال: يا مولاي، قد خصصتك بهذه.- فخطر لي أن أتناول منها.

فقلت: أليست من سبب مالي، ولا فرق بين مالي وبين هذه؟ - فصرفت عزمي عن الأكل.

واستصحبت الحال إلى آخر النهار، وإذا برجل ليس من أهل ملّتي كنت أسمع به ولم أره، وقد استأذن عليّ، فأذنت له فسلّم عليّ وجلس، وقال: يا سيّدي قد اشتريت جارية طبّاخة بجملة من المال لأجل صناعتها، وأنا كما علمت حديث في النعمة لا أعرف الألوان التي تجتبون (١) أمثالها، ولا جودة ما يصنع من رداءته. وقد صنعت ألوانا تعرضها عليّ، فإن رأيت الحضور إلى منزلي لتنظر ما صنعت، فإنّك به خبير، فعلت.

فقلت في نفسي: هذا ليس من مالي ولا بسببه.

ومضيت معه، فأحضر ألوانا كثيرة وأطعمة شتّى فأكلت منها. وخرجت من عنده، ففرّقت أموالي أوّل أوّل ولزمت الطريق.

قال الشيخ القرشيّ: فعند ما سمعته يتحدّث بهذا، خطر لي أن أعتزل في بيتي وأفعل كما فعل.

فمكثت عشرة أيّام لا آكل ولا أشرب، وأنا أصلّي في البيت مستقبل القبلة، وكنت قبلها لا ألمّ بالصلاة. فلمّا كان اليوم العاشر رأيت الجهة التي


(١) تجتبون بمعنى تختارون.

<<  <  ج: ص:  >  >>