للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعزمنا على الغارة عليها. فركبت فرسي أنا ومالك بن عامر وطردنا لكلاب مائة ناقة حتّى ألقيناها بالطائف فبعناها. فأرسل كلاب إلى قريش:

إنّ سفيهكم أغار عليّ وطرد لي مائة ناقة. فليس لكم أن تشهدوا سوق عكاظ، ولي لديكم وبرة- وكان سوق عكاظ في وسط أرض قيس بن عيلان.

وائتمرت قريش على قتلي لئلّا أجرّ إليهم الجرائر فيطلبوا (١) بسببي وهم تجّار لا يستغنون عن الضرب في البلدان. فلمّا أتيت من الطائف إلى منزلي قال لي أهلي: إنّ قريشا ائتمروا على قتلك، فانج بنفسك!

فأخذت زادا ومزادة، وخرجت هاربا مع الصباح إلى دوحة الزيتون. فلم أزل أطلب موضعا أختفي فيه، والقوم في أثري يطلبونني حتّى أتيت إلى حجرين بينهما خلل يدخل فيه النحيف متجانفا. فتجانفت في ذلك المكان من ذلك الخلل ودخلت ومعي زادي. فطال عليّ السرب ورأيت أنّ موتيفيه أحبّ إليّ من أن يقتلني قومي فيشمت بي عدوّي، ويحزن عليّ حبيبي، ويصير لقومي ذحل في قريش يخرجون به منهم. فسرت ملحجا (٢) في السرب حتّى بلغت دارا عظيمة فيها بيت، وفي وسط البيت جوهر ودرّ وياقوت ولجين وعقيان. وفيه أربعة أسرّة، على كلّ سرير رجل قاعد، وعلى رأسه لوح من رخام مكتوب بالمسند (٣). فقرأت الألواح فأصبت فيها أنّ أهل الألواح عمرو بن مضاض، والحرث بن مضاض، وعبد الميح بن بقيلة، وبقيلة (٤) بن عبد المدان.

فأقمت خمسة [١٩٢ أ] أيّام في ذلك البيت آكل من

زادي وأشرب من مزادتي حتّى يئست قريش منّي.

فخرجت فلم أجد أحدا في الغيضة. فأخرجت ما أصبت من المال وأخذت الألواح خيفة من قريش لتكون لي عندهم حجّة وبراءة.

ثمّ أتيت منزلي فأخذت جملا وسرت ليلا، فإذا أنا بسيّارة يريدون مدينة مصر. فسرت معهم لا يدرون من أنا ولا ما معي حتّى بلغت مصر. فبعت ما معي فأصبت مالا جزيلا ورجعت. فنزلت ينبع على مالك البرّاض فقصصت عليه قصّتي مع قريش فقال: هاك خمسين ناقة.

فسقتها أنا وهو حتّى أتينا كلابا، فأرسلنا إلى ابنه جعفر بن كلاب فدفعنا إليه الخمسين من النوق. ثم تبعنا كلاب في بنيه وهو شيخ كبير ثمّ سرنا إلى سوق عكاظ، وأرسل إلى قريش فشهدوا عكاظ، وانصرفت معهم إلى مكّة.

فلمّا ظهر بعض مالي وثبوا عليّ وقالوا:

غدرت!

فأعلمتهم بما كان من حديث المغارة وأخرجت لهم الألواح فأرسلوا معي خويلد بن أسد بن عبد العزّى، ووهب بن زهرة بن عبد مناف، فسارا معي حتّى دخلت ودخلا معي وعاينّا الأشباح فقالا لي: ردّ الألواح!

فرددت كلّ لوح إلى مكانه وخرجنا. وأخذنا حجرا عظيما سددنا به باب الخلل لئلّا تكون المغارة ملعبا للسّفهاء.

[[سبب حلف الفضول]]

وفي دار عبد الله بن جدعان كان حلف الفضول. وقد اختلف في سبب حلف الفضول.

فعن أبي عبيدة قال: كان سبب حلف الفضول أنّ رجلا من أهل اليمن قدم مكّة ببضاعة فاشتراها رجل من بني سهم. فلوى الرجل بحقّه فسأله


(١) في المخطوط: فيطلبون.
(٢) ملحجا: أي متجانفا.
(٣) المسند: خطّ القوم الأوائل كفراعنة مصر أو عاربة حمير.
(٤) عند الآلوسي ١/ ٨٨: نفيلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>