للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فبهت حمدان يفكّر، ثمّ نظر إليه وقال: يا هذا، ما يملك ما ذكرته إلّا الله.

قال: صدقت، والله يهب ملكه لمن يشاء.

قال حمدان: فما تريد في القرية التي سألتني عنها؟

قال: رفع إليّ جراب فيه علم سرّ من أسرار الله، وأمرت أن أشفي هذه القرية وأغني أهلها وأستنقذهم وأملّكهم أملاك أصحابهم.

وشرع يدعوه. فقال له حمدان: يا هذا نشدتك الله إلّا دفعت لي من هذا العلم الذي معك وأنقذتني، ينقذك الله!

فقال: لا يجوز ذلك أو آخذ عليك عهدا وميثاقا أخذه الله على النبيّين والمرسلين، وألقي إليك ما ينفعك.

فما زال حمدان يضرع إليه حتى جلسا وأخذ عليه العهد، ثمّ قال له: ما اسمك؟

فقال له: حمدان بن الأشعث قرمط، وأسألك أن تسير معي إلى منزلي حتى تجلس فيه، فإنّ لي إخوانا أصير بهم إليك لتأخذ عليهم العهد للمهديّ.

فسار معه إلى منزله، وجمع عليه حمدان الناس فأخذ عليهم العهد. واغتبط به حمدان لكثرة ما شهده من خشوعه وصيام نهاره وقيام ليله. وشهر أمره في أصحابه حتى كان [٥٠٨ ب] أغبط الناس به من أخذه إلى منزله. وكان يخيط لهم الثياب فيتبرّكون بخياطته، ويرتزق من أجرتها إلى أن أدرك التمر، فوصف لأبي عبد الله محمد بن عمر بن شهاب العدويّ، أحد وجوه الكوفة وعلمائها وفضلائها، أمر الحسين الأهوازيّ، فنصبه لحفظ ثمره، فأحسن القيام في حفظها، وبالغ في أداء الأمانة، وخرج عن الحدّ في كثرة التشدّد، وذلك في سنة أربع وستّين ومائتين.

فاستحكمت ثقة الناس بالحسين إلى أن حضرته الوفاة، فعهد لحمدان بن الأشعث قرمط، وأقامه مقامه وقضى نحبه.

[[حمدان قرمط يخلف حسين الأهوازي بعد وفاته]]

وكان قد استجاب له مهرويه بن زكرويه السلمانيّ الصوانيّ، وجلندى الرازيّ، وعكرمة البابليّ، وإسحاق البورانيّ، وعطيف النيليّ في آخرين. وبثّ دعاته في السواد يأخذون على الناس العهود. وكان أكبر دعاته عبدان الأهوازيّ ختن قرمط، فقام في الدعوة وبثّ الدعاة في أعمال السواد بالكوفة، فدخل في دعوة قرمط بنو ضبيعة بن عجل من ربيعة، وبنو يشكر بن بكر بن وائل حتى لم يتخلّف عنه رفاعيّ ولا ضبعيّ إلّا ودخل في دعوته ودان بها. ولم يبق من بطون العرب المتّصلة بواسط بطن إلّا استجاب له.

فدخل في دعوته كثير من بني عابس ومن ذهل وعنزة وتيم الله وبني ثعل، وهم معظم سواد الكوفة، فقوي قرمط وأخذ بجمع أموالهم.

فكان أوّل ما فرض عليهم «الفطرة»، وهو درهم يؤخذ من كلّ واحد من الرجال والنساء والصبيان، فسارعوا إلى ذلك وحملوه إليه.

ثمّ فرض عليهم «الهجرة»، وهي دينار على كلّ رأس أدرك الحنث (١) وتلا عليهم قول الله تعالى:

خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة: ١٠٣]، وقال لهم: هذا تأويل هذا.

فدفعوا ذلك إليه وتعاونوا عليه حتى إنّ من كان منهم فقيرا أسعفوه.

ثمّ فرض عليهم «البلغة»، وهي سبعة دنانير،


(١) الحنث: الإدراك.

<<  <  ج: ص:  >  >>