للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فانهتك في هذه الفتنة أكثر الناس وساءت أحوالهم وماتوا على الطرق من الضرّ والبرد، والقتال لا يزداد إلّا شدّة طول الليل والنهار إلى أن أجهد الناس البلاء وقوي على أهل البلد أشرارهم وأكلوا أموال أهل السلامة. فقالوا: نخرج إلى هذا السلطان وندخله إلى المدينة يفعل فيها ما يشاء ونستريح ممّا نحن فيه!

ففتح أهل التوراة توراتهم وأهل الإنجيل إنجيلهم وصاروا إلى المسلمين ففتحوا القرآن، واجتمع الكلّ في الجامع وضجّوا بالدعاء واستغاثوا إلى الله يطلبون الفرج، وداروا المدينة وهي منشورة على رءوسهم. فتجمّع الشيوخ والأشراف وراسلوا أبا محمود في الصلح، وخرج إليه خلق كثير من الرعيّة وداروا حول فرسه وقالوا له: ادخل أيّها القائد، ونحن بين يديك، والبلد لك، افعل فيه ما اخترت!

فأحسن في القول وجامل في الردّ. فاستبشر الناس واجتمعوا في الجامع، وأحضروا ابن الماورد وابن شرارة وأكابر أهل الشرّ وزجروهم وألزموهم بالكفّ عن معارضة السلطان في البلد، وأنّهم يلزمون بيوتهم. فأذعنوا لذلك وانصرفوا، إلّا رجل من أهل الشرّ فإنّه شمخ وطلب الفتنة فأخذه أهل البلد وقتلوه فانكفّ أهل الشرّ.

[[عزله عن دمشق]]

وكانت الأخبار ترد على المعزّ بما يجري على أهل دمشق من خراب البلاد وكثرة القتل وطول الحصار، وأنّ العسكر لا ينضبط لأبي محمود.

فكتب إلى ظالم وهو ببعلبك يستجيد رأيه ويوبّخ أبا محمود (١). وكتب إلى ريان الخادم والي طرابلس في النصف من شعبان سنة أربع وستّين

وثلاثمائة أن يسير إلى دمشق وينظر في أمر الرعيّة ويصرف أبا محمود عن دمشق.

فسار ريّان من طرابلس إلى دمشق، وأمر أبا محمود أن يرحل إلى الرملة، فسار عنها في عدد قليل وبقي العسكر مع ريّان. فنزل أبو محمود طبريّة.

فلمّا قدم هفتكين الشرابي (٢) من بغداد إلى دمشق وملكها من ريّان ونزل عليه متملّك الروم (٣) خرج إليه. وبلغ ذلك أبا محمود فجهّز جيش بن الصمصامة من طبريّة في ألفي رجل إلى دمشق.

فلمّا وصل البثنيّة (٤) وجد شبل بن معروف العقيليّ نازلا عليها في عربه فاقتتلا ساعة وكانت [٢٧ ب] الكرّة فيها على جيش فأخذ أسيرا وقتلأصحابه.

وبعث شبل بجيش إلى هفتكين فسلّمه إلى متملّك الروم وهو مقيم على عين الجرّ (٥) ينتظر المال الذي طلبه من أهل دمشق. فلمّا أخذ المال ورحل من دمشق إلى بيروت بعث هفتكين شبل بن معروف إلى طبريّة، ففرّ أبو محمود إلى الرملة بمن معه من المغاربة فقصدهم العرب وواقعوهم نحو بيت المقدس، فكانت للعرب على المغاربة وقتلوا منهم كثيرا وأسروا جماعة وبعثوهم إلى دمشق، فطوّفوهم على الجمال وضربوا أعناقهم.

وأقام أبو محمود بالرملة إلى أن قدم القرامطة إلى دمشق ثمّ ساروا منها إلى الرملة ففرّ أبو محمود إلى يافا وتحصّن بها فنازله القرامطة وقاتلوه حتى


(١) مكاتبة المعزّ لظالم العقيليّ لم يذكرها ابن القلانسي ١٠.
(٢) عند ابن القلانسي ١١: أبو منصور الفتكين التركي المعزّي البويهيّ، وهي نسبة إلى معزّ الدولة.
(٣) هو يانس بن الشمشقيق Jean Tzimisces الدمستق البيزنطي (انظر ماريوس كانار: نخب تاريخية ١١٦).
(٤) البثنيّة والبثنة: قرية بين دمشق وأذرعات (ياقوت).
(٥) عين الجرّ: بلدة في البقاع على الحدود اللبنانية السورية، تعرف اليوم بعنجر، فيها آثار أمويّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>