للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقالوا: يدفن من كان على ساقة الكرم وتاريخ الأدب، ولا يتكلّم فيه؟ إنّ هذا لوهن وتقصير!

فلمّا طلع سريره قام ثلاثة نفر منهم، فقال أحدهم [البسيط]:

اليوم مات نظام الفهم واللسن ... ومات من كان يستعدى على الزمن

وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المعارف في غيم من الكفن

وتقدّم الثاني فقال [الكامل]:

ترك المنابر والسرير تواضعا ... وله منابر لو يشأ وسرير

ولغيره يجبى الخراج، وإنّما ... تجبى إليه محامد وأجور

وتقدّم الثالث فقال [الطويل]:

وليس نسيم المسك ريح حنوطه ... ولكنّه ذاك الثناء المخلّف

وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنّه أصلاب قوم تقصّف

قال الصولي: وكان المتوكّل يوجب لأحمد بن أبي دواد حقّه، ويستحيي أن يناله بمكروه، وكان يكره مذهبه [و] ما كان يقوم به من أمره أيّام الواثق وعقد الأمر له والقيام به من بين الناس. فلمّا فلج أحمد بن أبي دواد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، ولّى المتوكّل ابنه أبا الوليد محمّد بن أحمد القضاء مكان أبيه والمظالم. ثمّ عزله في سنة أربعين ووكّل بضياعه وضياع أبيه.

ثمّ صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على أحمد بن أبي دواد وابنه أبي الوليد في ذي الحجّة سنة أربعين. ومات أبوه أحمد بعده بعشرين يوما.

وقال الخطيب: مات أحمد يوم السبت لتسع (١) بقين من المحرّم سنة أربعين ومائتين، وبينه وبين ابنه نحو شهر. ودفن بداره ببغداد وصلّى عليه ابنه العبّاس.

ودخل عليه عبد العزيز بن يحيى المكّي صاحب كتاب الحيدة (٢) وهو مفلوج فقال: لم آتك عائدا، ولكن جئت لأحمد الله على أن سجنك في جلدك!

وكان أحمد بن أبي دواد من أفاضل المعتزلة، وممّن تجرّد في إظهار مذهبه والذبّ عن أهله.

ولم ير في أبناء جنسه أكرم منه ولا أنبل ولا أسخى.

٥٦٣ - أبو أيّوب ابن شجاع [- ٢٦٦] (٣)

[٧٠ أ] أحمد بن محمد بن شجاع، ابن أخت أبي الوزير أحمد بن خالد صاحب الخراج في أيّام المعتصم، يكنّى بأبي أيّوب، أحد عمّال الخراج بمصر زمن أحمد بن طولون.

تقلّد الخراج بعد أحمد بن محمد بن المدبّر في سنة ثمان وخمسين ومائتين. فلم يزل إلى أن خالف العبّاس بن أحمد بن طولون على أبيه، وأخذ من التّجار مائتي ألف دينار سلفا، وتقدّم إلى أبي أيّوب أن يجريها على جماعة من المتقبّلين (٤)، ففعل.

فلمّا تفرّع أحمد بن طولون من أمر ابنه العبّاس ألزم أبا أيّوب غرم ما أخذه العبّاس من التجّار، وقال له: لم يقنعك أن استلفت لعدويّ مالا حتّى


(١) تاريخ بغداد ٥/ ٢٥٢.
(٢) عبد العزيز بن يحيى الكناني (ت ٢٤٠)، وكتاب الحيدة المنسوب إليه رسالة في مناظرة بشر المريسيّ (الأعلام ٤/ ١٥٤). وهو من أصحاب الشافعيّ.
(٣) الكندي ٢٧ - الخطط ٢/ ٢٥٠.
(٤) أي جباة الخراج.

<<  <  ج: ص:  >  >>