للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما سافرت في الآفاق إلّا ... ومن جدواك راحلتي وزادي

مقيم الظنّ عندك والأماني ... وإن قلقت ركابي في البلاد

فقال له أحمد بن أبي دواد: هذا المعنى تفرّدت به أم أخذته؟

قال: هو لي، وقد ألممت فيه بقول أبي نواس [الطويل]:

وإن جرت الألفاظ يوما بمدحة ... لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني

وقال الحسن النّقاش: إنّ مسيح بن حاتم أخبرهم قال: لقيني أحمد بن أبي دواد، فقال بعد أن سلّم عليّ: ما يمنعك أن تسألني؟

فقلت: إذا سألتك فقد أعطيتك ثمن ما أعطيتني.

فقال لي: صدقت! - وأنفذ إلي بخمسة آلاف درهم.

وقال الواثق لأحمد بن أبي دواد، وقد تضجّر بكثرة حوائجه: يا أحمد، قد اختلّت بيوت الأموال بطلباتك للّائذين بك والمتوسّلين إليك.

فقال: يا أمير المؤمنين، نتائج شكرها متّصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلّا عشق اتّصال الألسن بحلو المدح فيك.

فقال: يا أبا عبد الله، والله ما منعناك ما يزيد في عشقك، ويقوّي من همّتك. فنازلنا بما أحببت.

ومن مختار مدائح أبي تمّام فيه قوله [الطويل]:

أأحمد إنّ الحاسدين كثير ... وما لك إن عدّ الكرام نظير

حللت محلّا فاضلا متقادما ... من المجد، والفخر القديم فخور

فكلّ قويّ أو غنيّ، فإنّه ... إليك، وإن نال السماء، فقير

إليك تناهى المجد من كلّ وجهة ... يصير فما يعدوك حيث تصير

وبدر إياد أنت، لا ينكرونه ... كذاك إياد للأنام بدور

تجنّبت أن تدعى الأمير تواضعا ... وأنت، لمن يدعى الأمير، أمير

فما من ندى إلّا إليك محلّه ... ولا رفقة إلّا إليك تسير

[وقوله]: [الوافر]:

أيسلبني ثراء المال ربّي ... وأطلب ذاك من كفّ جماد

زعمت إذن بأنّ الجود أمسى ... له ربّ سوى ابن أبي دواد

وقال مروان بن أبي حفصة في أحمد بن أبي دواد لمّا نالته العلّة الباردة [البسيط] (١):

لسان أحمد سيف مسّه طبع ... من علّة فجلاها عنه جاليها

ما ضرّ أحمد باقي علّة درست ... والله يذهب عنه رسم باقيها [١٢٤ أ]

موسى بن عمران لم ينقص نبوّته ... ضعف اللسان، وقدما كان يمضيها

قد كان موسى على علّات منطقه ... رسائل الله إذ جاءت يؤدّيها

وقال ابن دريد: أخبرنا الحسن بن خضر قال:

كان أحمد بن أبي دواد مؤالفا لأهل الأدب من أيّ بلد كانوا. وكان قد ضمّ إليه جماعة يعولهم ويموّنهم. فلمّا مات اجتمع ببابه جماعة منهم


(١) الأغاني ٢٣/ ١٠٨ ... «وقد أصابه الفالج» ولم نجد للفالج- أي تعطّل شقّ الإنسان- اسم العلّة الباردة.

<<  <  ج: ص:  >  >>