للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عنّي وعن الناس، فو الله لا أرجع حتّى أرده (١) أو أموت. وأمر الأشتر فيعلو بخيله فيقف حتى آمره.

قال: ذاك إليك.

فرجع الأشعث فنادى: من كان يريد الماء فميعاده الصبح، فإنّي ناهض إلى الماء.

[[القتال على ماء الفرات]]

فأتاه اثنا عشر ألفا، وسار لمّا أصبح، وبعث إلى الأشتر: أقحم الخيل! - فأقحمها حتى وضعت سنابكها في الفرات، وأخذت القوم السيوف، وعليهم عمرو بن العاص، وأبو الأعور السلميّ، فنادى الأشعث عمرو بن العاص: ويحك عمرو! خلّ بيننا وبين الماء! فو الله لئن لم تفعل لتأخذنّا وإيّاكم السيوف!

فقال عمرو: لا والله، لا نخلّي عنه حتّى تأخذنا وإيّاكم السيوف، فنعلم أيّنا أصبر اليوم.

فترجّل الأشعث والأشتر فيمن معهما، وحملوا على عمرو ومن معه حتّى أزالوهم عن الماء.

وفي رواية أنّ الأشعث قال: ويحك يا عمرو، والله إن كنت لأظنّ أنّ لك رأيا، فإذا أمتك أعقل منك. أترانا نخلّيك والماء؟ تربت يداك وفمك! أما علمت أنّا معشر عرب؟ ثكلتك أمّك وهبلتك لقد رمت أمرا عظيما.

فقال عمرو: أما والله لتعلمنّ اليوم أنّا سنفي بالعهد ونقيم على العقد ونلقاك بصبر وجدّ.

فنادى الأشتر: ألا والله يا ابن العاص لقد نزلنا هذه الفرضة ونحن نريد القتال على البصائر. فما قتالنا سائر اليوم إلّا حميّة.

ثمّ كبّر الأشتر وكبّر الأشعث فما ثار الغبار حتى انهزم أهل الشام. وكان الأشتر يقول في حملته [الرجز]:

ويحك يا ابن العاصي ... تنحّ في القواصي

واهرب إلى الصياصي ... اليوم في عراص

نأخذ بالنواصي ... لا نحذر التناصي

نحن ذرى الخماص ... لا نقرب المعاصي

في الأدرع الدلاص ... في الموضع المصماص [٢٧ أ]

فأجابه عمرو [الرجز]:

ويحك يا ابن الحارث ... أنت الغبين الناكث

أنت الكذوب الحانث ... أعدّ مال وارث

وفي القبور ماكث (٢)

ثمّ إنّ الأشتر أعطى لواءه الحارث بن همّام النخعيّ الصّهبانيّ، وقال: والله يا حارث، لولا أنّي أعلم أنّك تصبر عند الموت لأخذت لوائي منك، ولم أحبك بمكرمتي.

فقال: والله يا مالك، لأسرّنّك اليوم في لوائك أو لأموتنّ!

وتقدّم وهو يقول [الرجز]:

يا أشتر الخيرات يا خير النخع ... وصاحب النصر إذا عمّ الفزع

وكاشف الأمر إذا الأمر وقع ... ما أنت للحرب العوان بالجذع

قد جزع القوم وعمّوا بالجزع ... وجرّعوا الغيظ وغصّوا بالجرع


(١) أو: أردّه، أي: أردّ معاوية عن الماء أو أرد الماء
(٢) هذه المساجلات منقولة في وقعة صفّين ١٩٠، وقد شرح ناشره المرحوم عبد السلام هارون ما فيها من غريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>