الله- وألقى الأسجال من يده.
فقام الأمير ناصر الدين الشيخيّ وغيره مع ابن البققيّ، رجاء أن يستتاب ويفرج عنه، وكتبوا محضرا بأنّه مجنون. وشهد فيه جماعة وأرادوا إثبات ذلك على ابن دقيق العيد، فقال: من يجعل المولى فتح الدين مجنونا؟ ما نعرف فتح الدين إلّا رجلا عاقلا- ولم يثبت ما قصدوه.
فأحبّ غرماء البققي تعجيل قتله، وحملوا الشهاب الأعزازيّ الشاعر حتّى كتب للمالكيّ [السريع]:
قل للإمام المالكيّ الرضيّ ... وكاشف المشكل [و] المبهم
لا تمهل الكافر واعمل بما ... قد جاء في الكافر عن مسلم
فلمّا وقف عليهما تبسّم وقال: شاعر ومكاشف! هكذا عزمنا إن شاء الله.
[تحرّي الناصر ابن قلاوون أيضا في شأنه]:
وكتب ابن البققيّ- وهو في السجن- إلى المالكيّ [الكامل]:
يا من يخادعني بأسهم مكره ... بسلاسة نعمت كلمس الأرقم
اعتدّ لي زردا تضايق نسجه ... وعليّ فكّ عيونها بالأسهم
فلمّا وقف عليها قال: نرجو أنّ الله لا يمهله لذلك- ثمّ نهض وشاور السّلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في قتل البققيّ، وكان قد بلغه خبره، فأشار أن يتمهّل في أمره. فانزعج المالكيّ وقال: قد ثبت عندي كفره وزندقته، ووجب عندي إراقة دمه.
فلمّا رأى السلطان تصميمه قال: إن كان لا بدّ من قتله، فليعقد له مجلس بحضرة الحكّام، فإن وجب عليه أمر شرعيّ [ف] افعلوه.
وبعث معه ناصر الدين الشيخيّ وأحد الحجّاب، وأحضر القضاة. فوافق قاضي القضاة شمس الدين أحمد السروجيّ الحنفيّ على قتله وقال: اقتلوا هذا الكافر، ودمه في عنقي.
ومن شعره [الطويل]:
جبلت على حبّي لها وألفته ... ولا بدّ أن ألقى به الله معلنا
ولم يخل قلبي من هواها بقدر ما ... أقول: «وقلبي خاليا فتمكّنا»
يشير إلى قول [ ... ] (١):
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكّنا
ولمّا نظم ابن دقيق العيد الأبيات التي هي [البسيط]:
أهل المراتب في الدنيا ورفعتها ... أهل الفضائل مرذولون بينهم
فما لهم في توقّي ضرّنا نظر ... ولا لهم في ترقّي قدرنا همم
[٩ ب] قد أنزلونا لأنّا غير جنسهم ... منازل الوحش في الإهمال عندهم
فليتنا لو قدرنا أن نعرّفهم ... مقدارهم عندنا أو لو دروه هم
لهم مريحان من جهل وفرط غنى ... وعندنا المتعبان: العلم والعدم
قال يعارضه:
أين المراتب في الدنيا ورفعتها ... من الذي حاز علما ليس عندهم
(١) تضمين لشطر لمجنون ليلى.