للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طرسوس والمصيصة، فوافاها في جمادى الأولى، وأقام إلى منتصف شعبان حتّى صالحه ملك الروم. ثم نزل على هرقلة فخرج إليه أهلها، وبعث أخاه أبا إسحاق ابن الرشيد وقد وافاه من مصر قبل دخوله الموصل، فافتتح ثلاثين حصنا.

ووجّه يحيى بن أكثم فأغار وقتل وحرق وسبى ثم عاد. فسار المأمون إلى كيسوم وأقام بها يومين.

ثم رحل إلى دمشق وأقام بها إلى منتصف ذي الحجّة.

وتوجّه منها يريد مصر. وكتب إلى خليفته على بغداد إسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلّوا، فبدءوا بذلك منتصف شهر رمضان.

ولمّا نزل المأمون الفرما أنشد [الوافر]:

لليلك كان بالميدا ... ن أقصر منه بالفرما

غريب في قرى مصر ... يقاسي الهمّ والسدما (١)

[[قدومه إلى مصر]]

وقدم مصر لعشر خلون من المحرّم سنة سبع عشرة ومائتين، فسخط على عيسى بن منصور أمير مصر، وأمر بحلّ لوائه وأخذه بلباس البياض، وقال: لم يكن هذا الحدث العظيم إلّا عن فعلك وفعل عمّا لك: حمّلتم الناس ما لا يطيقون وكتمتم الخبر حتى تفاقم الأمر واضطرب البلد.

وضمّ أصحابه إلى ابن عمّه موسى بن إبراهيم.

وولّى على شرط الفسطاط أحمد بن بسطام الأزديّ.

وركب فنظر إلى المقياس، وأمر بإقامة جسر آخر فعمل. وعقد لأبي المغيث موسى بن إبراهيم على جيش بعثه إلى الصعيد في طلب ابن عبيديس الفهريّ ومعه رشيد التركيّ فظفروا به في طحا.

ولمّا وقف على مدينة منف وعين شمس قال:

سألت أطلال مصر عن عين شمس ومنف ... فما أحارت جوابا ولا أجابت بحرف

وفي السكوت جواب لذي الفطانة يكفي

وارتحل إلى سخا سلخ [١٢٤ أ] المحرّم ثم سار إلى البشرود، والأفشين قد أوقع بالقبط بها، فنزلوا على حكم أمير المؤمنين، فحكم بقتل الرجال، وبيع النساء والأطفال فبيعوا، وسبي أكثرهم.

وأحضر الفهريّ إلى سخا فقتله. وتتبّع كلّ من يومأ إليه بخلاف فقتل ناسا كثيرا. ورجع إلى الفسطاط يوم السبت لستّ عشرة خلت من صفر. ومضى إلى حلوان فأقام بها مليّا، وعاد إلى الفسطاط.

ثم خرج وعلى مقدّمته أشناس، وارتحل يوم الخميس لثماني عشرة خلت من صفر، وكان مقامه بالفسطاط وسخا وحلوان تسعة وأربعين يوما. فدخل دمشق، ومضى منها إلى بلاد الروم، فأناخ على لؤلؤة مائة يوم. ثم رحل عنها وترك عليها عجيفا، فخدعه أهلها وأسروه فبقي عندهم ثمانية أيام وأفرجوا عنه. وجاء توفيل ملك الروم وأحاط بعجيف. فسيّر إليه المأمون الجنود فارتحل قبل مجيئهم، وخرج أهل لؤلؤة إلى عجيف بأمان. وأرسل ملك الروم يطلب المهادنة، فلم يتمّ ذلك.

[[القول بخلق القرآن]]

وكتب المأمون في ربيع الأوّل سنة ثماني عشرة إلى خليفته على بغداد في امتحان القضاة والشهود والمحدّثين بالقرآن المجيد: فمن أقرّ أنّه مخلوق محدث خلّى سبيله، ومن أبى أعلمه به ليأمر فيه برأيه. فأحضر إسحاق بن إبراهيم جماعة، وقرأ عليهم الكتاب مرّتين حتّى فهموه. فأجابوا بأجوبة مختلفة، منها ما فيه التصريح بأنّ القرآن كلام الله،


(١) السدم: الحزن والغيظ والندم.

<<  <  ج: ص:  >  >>