للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سماعها ويلاطف أبا عبد الله. ثمّ عتبه عتبا رفيقا كما تقدّم في ترجمته (١). فعلم أبو عبد الله أنّ عورته قد ظهرت للمهديّ، وانصرف فأخبر أصحابه فخافوا وتخلّفوا كلّهم عن الحضور إلى مجلس المهديّ. فانتدب رجل يقال له ابن القديم قد كان في جملة المخالفين وقال: يا مولاي، إن شئت أتيتك بهم.

قال: أو تقدر على ذلك؟

قال: نعم.

فأحضرهم إلى المهديّ فلاطفهم وما زال حتّى فرّقهم في البلاد. فبعث أبا زاكي تمّام بن معارك- وكانوا يجتمعون في داره- إلى طرابلس، وكتب إلى واليها أن يقتله إذا قدم عليه، فقتله وبعث برأسه. وفرّ ابن القديم فضربت عنقه في طريقه.

ورتّب المهديّ غزويه بن يوسف وجبر بن القاسم في رجال وأمرهم بقتل أبي عبد الله وأخيه أبي العبّاس فقتل غزويه أبا عبد الله وقتل جبر بنالقاسم أبا العبّاس للنصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين (٢). فثارت فتنة بسبب قتلهما وجرّد أصحابهما السيوف فركب المهديّ وأمّن الناس فسكنوا. ثم تتبّع المخالفين بالقتل حتى أفناهم.

ثم ثارت فتنة ثانية بين كتامة وأهل القيروان قتل فيها خلق كثير. فخرج المهديّ وسكّن الفتنة.

وكفّ الدعاة عن طلب الناس بمذهب التشيّع.

ثم عهد إلى ولده أبي القاسم محمد نزار بالخلافة من بعده، وكان إذا نظر إليه وأعجبه ينشد

متثمّلا [السريع]:

مبارك الطلعة ميمونها ... يصلح للدنيا وللدين

وجهّزه إلى بلاد كتامة وقد أقاموا طفلا وزعموا أنّه نبيّ يوحى إليه وأقاموه بمدينة ميلة، فسار إليها وحصرها حتى أخذها وقتل الطفل الذي أقاموه وأفنى منهم أمما عظيمة وجلاهم إلى البحر وعاد.

فورد الخبر بخلاف أهل صقلّية فأنفذ إليها أسطولا قاتلها حتى فتحها.

وخالف أيضا أهل تاهرت فبعث إليها وغزاها وقتل أهل الخلاف.

وتتبّع بني الأغلب برقّادة وكانوا قد عادوا بعد موت زيادة الله إليها، حتى قتلهم عن آخرهم.

ثم بعث ابنه أبا القاسم على جيش إلى مصر في سنة إحدى وثلاثمائة وملك الإسكندريّة والفيّوم وعاد. فبعث في سنة اثنتين وثلاثمائة حباسة أحد قوّاده على جيش آخر، وعاد مهزوما.

[تأسيس المهديّة]

فلمّا كانت [٢٢٢ أ] سنة ثلاثمائة خرج بنفسه إلى تونس يرتاد لنفسه موضعا على ساحل البحر يتّخذ فيه مدينة وكان عنده علم بخروج رجل شديد البأس على دولته، وهو أبو يزيد النكّاري الخارجيّ، ومن أجله بنى المهديّة وهي جزيرة متّصلة بالبرّ كهيئة كفّ متّصل بزند فتأمّلها، ووجد فيها راهبا في مغارة فقال له: بم يعرف هذا الموضع؟

فقال: يسمّى جزيرة الخلفاء، والذي يليها من البرّ يسمّى أرض جمّة.

فقال المهديّ: الله أكبر! هذه التي نجدها، وهي والله جزيرة الخلفاء!


(١) مرّت ترجمة أبي عبد الله في هذا الكتاب، (رقم ١٨٢٣) وتأتي ترجمة أخيه أبي العبّاس ورقم ١٨٢٨).
(٢) انظر خبر مقتل أبي عبد الله في عيون الأخبار، ١٨٠ وما يليها. وانظر في المجالس والمسايرات، ١٨٣ تبرير المعزّ لقتل الأخوين.

<<  <  ج: ص:  >  >>